وقال القرطبى :
الرابعة عشرة : قوله تعالى :﴿ سَنَنظُرُ ﴾ من النظر الذي هو التأمل والتصفح.
﴿ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين ﴾ في مقالتك.
و﴿ كنت ﴾ بمعنى أنت.
وقال :﴿ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ ﴾ ولم يقل سننظر في أمرك ؛ لأن الهدهد لما صرح بفخر العلم في قوله :﴿ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾ صرح له سليمان بقوله : سننظر أصدقت أم كذبت، فكان ذلك ( كفاء ) لما قاله.
الخامسة عشرة : في قوله :﴿ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين ﴾ دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم ؛ لأن سليمان لم يعاقب الهدهد حين اعتذر إليه.
وإنما صار صدق الهدهد عذراً لأنه أخبر بما يقتضي الجهاد، وكان سليمان عليه السلام حبب إليه الجهاد.
وفي "الصحيح" :
" ليس أحدٌ أحبَّ إليه العذرُ من الله من أجل ذلك أنزل الكتابَ وأرسل الرسل " وقد قبل عمر عذر النعمان بن عديّ ولم يعاقبه.
ولكن للإمام أن يمتحن ذلك إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة.
كما فعل سليمان ؛ فإنه لما قال الهدهد :﴿ إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ لم يستفزه الطمع، ولا استجرّه حبّ الزيادة في الملك إلى أن يعرض له حتى قال :﴿ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ الله ﴾ فغاظه حينئذٍ ما سمع، وطلب الانتهاء إلى ما أخبر، وتحصيلِ علم ما غاب عنه من ذلك، فقال :﴿ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين ﴾ ونحو منه ما رواه الصحيح عن المِسْور بن مَخْرَمة، حين استشار عمر الناس في إملاص المرأة وهي التي يضرب بطنها فتلقي جنينها ؛ فقال المغيرة بن شعبة : شهدت النبيّ ﷺ قضى فيه بغُرّةِ عبدٍ أو أمة.