فراجعها الملأ بما يقر عينها، من إعلامهم إياها بالقوّة والبأس، ثم سلّموا الأمر إلى نظرها ؛ وهذه محاورة حسنة من الجميع.
قال قتادة : ذكر لنا أنه كان لها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً هم أهل مشورتها، كل رجل منهم على عشرة آلاف.
الثانية : في هذه الآية دليل على صحة المشاورة.
وقد قال الله تعالى لنبيه ﷺ :﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ] في "آل عمران" إما استعانة بالآراء، وإما مداراة للأولياء.
وقد مدح الله تعالى الفضلاء بقوله :﴿ وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ ﴾ [ الشورى : ٣٨ ].
والمشاورة من الأمر القديم وخاصة في الحرب ؛ فهذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس :﴿ قَالَتْ يا أيها الملأ أَفْتُونِي في أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حتى تَشْهَدُونِ ﴾ لتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم، وحزمهم فيما يقيم أمرهم، وإمضائهم على الطاعة لها، بعلمها بأنهم إن لم يبذلوا أنفسهم وأموالهم ودماءهم دونها لم يكن لها طاقة بمقاومة عدوها، وإن لم يجتمع أمرهم وحزمهم وجِدّهم كان ذلك عوناً لعدوهم عليهم، وإن لم تختبر ما عندهم، وتعلم قدر عزمهم لم تكن على بصيرة من أمرهم، وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها، ودخيلة في تقدير أمرهم، وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريده من قوّة شوكتهم، وشدّة مدافعتهم ؛ ألا ترى إلى قولهم في جوابهم :﴿ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾.
قال ابن عباس : كان من قوّة أحدهم أنه يَركُض فرسَه حتى إذا احتدّ ضم فخذيه فحبسه بقوّته.
الثالثة : قوله تعالى :﴿ والأمر إِلَيْكِ فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾ سلّموا الأمر إلى نظرها مع ما أظهروا لها من القوّة والبأس والشدّة، فلما فعلوا ذلك أخبرت عند ذلك بفعل الملوك بالقُرى التي يتغلبون عليها.
وفي هذا الكلام خوف على قومها، وحيطة واستعظام لأمر سليمان عليه السلام. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon