أبو العالية : قولوا لهم الطيّب من القول، وجازوهم بأحسن ما تحبون أن تجازوا به.
وهذا كله حض على مكارم الأخلاق ؛ فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لَيناً ووجهه منبسطاً طَلْقاً مع البَرّ والفاجر، والسُّني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يُرضي مذهبه ؛ لأن الله تعالى قال لموسى وهارون :﴿ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ﴾ [ طه : ٤٤ ].
فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون ؛ والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه.
وقال طلحة بن عمر : قلت لعطاء إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيّ حِدّة فأقول لهم بعض القول الغليظ ؛ فقال : لا تفعل! يقول الله تعالى :﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾.
فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفيّ.
وروي " عن النبيّ ﷺ أنه قال لعائشة :" لا تكوني فحّاشة فإن الفحش لو كان رجلاً لكان رجل سوء" "
وقيل : أراد بالناس محمداً ﷺ ؛ كقوله :﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ الناس على مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ ﴾ [ النساء : ٥٤ ].
فكأنه قال : قولوا للنبيّ ﷺ حُسْناً.
وحكى المهدَوِيّ عن قتادة أن قوله :﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ منسوخ بآية السيف.
وحكاه أبو نصر عبد الرحيم عن ابن عباس.
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في الابتداء ثم نسختها آية السيف.
قال ابن عطية : وهذا يدلّ على أن هذه الأمة خوطبت بمثل هذا اللفظ في صدر الإسلام ؛ وأما الخبر عن بني إسرائيل وما أُمِروا به فلا نسخ فيه، والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٢ صـ ١٦﴾.
وقال فى الميزان :
قوله تعالى :[ حسناً ] مصدر بمعنى الصفة جيء به للمبالغة، وفي بعض القراءات حسناً - بفتح الحاء والسين - صفة مشبهة. ، والمعنى قولوا للناس قولاً حسناً، وهو كناية عن حسن المعاشرة مع الناس كافرهم ومؤمنهم، ولا ينافي حكم القتال حتى تكون آية القتال ناسخة له، لأن مورد القتال غير مورد المعاشرة، فلا ينافي الأمر بحسن المعاشرة، كما أن القول الخشن في مقام التأديب لا ينافي حسن المعاشرة. أ هـ ﴿الميزان حـ ١ صـ ٢١٩﴾