أما وجه القول الأول أنه إذا كان الكلام الأول في المتقدمين منهم فظاهر الخطاب يقتضي أن آخره فيهم أيضاً إلا بدليل يوجب الانصراف عن هذا الظاهر، يبين ذلك أنه تعالى ساق الكلام الأول سياقة إظهار النعم بإقامة الحجج عليهم، ثم بين من بعد أنهم تولوا إلا قليلاً منهم فإنهم بقوا على ما دخلوا فيه.
أما وجه القول الثاني أن قوله :﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ خطاب مشافهة وهو بالحاضرين أليق وما تقدم حكاية، وهو بسلفهم الغائبين أليق، فكأنه تعالى بين أن تلك العهود والمواثيق كما لزمهم التمسك بها فذلك هو لازم لكم لأنكم تعلمون ما في التوراة من حال محمد ﷺ وصحة نبوته، فيلزمكم من الحجة مثل الذي لزمهم وأنتم مع ذلك قد توليتم وأعرضتم عن ذلك إلا قليلاً منكم وهم الذين آمنوا وأسلموا، فهذا محتمل، وأما وجه القول الثالث فهو أنه تعالى لما بين أنه أنعم عليهم بتلك النعم، ثم إنهم تولوا عنها كان ذلك دالاً على نهاية قبح أفعالهم ويكون قوله :﴿وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ مختصاً بمن في زمان محمد ﷺ أي أنكم بمنزلة المتقدمين الذين تولوا بعد أخذ هذه المواثيق فإنكم بعد اطلاعكم على دلائل صدق محمد ﷺ أعرضتم عنه وكفرتم به، فكنتم في هذا الإعراض بمثابة أولئك المتقدمين في ذلك التولي، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣ صـ ١٥٤ ـ ١٥٥﴾
وقال أبو حيان :
﴿ ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون ﴾ : ظاهره أنه خطاب لبني إسرائيل الذين أخذ الله عليهم الميثاق.
وقيل : هو خطاب لمعاصري رسول الله ﷺ من بني إسرائيل، أسند إليهم تولي أسلافهم، إذ هم كلهم بتلك السبيل، قال نحوه ابن عباس وغيره.
والمعنى : ثم توليتم عما أخذ عليكم من الميثاق، والمعنيُّ بالقليل القليل في عدد الأشخاص.
فقيل : هذا القليل هو عبد الله بن سلام وأصحابه.


الصفحة التالية
Icon