ولما كان النبي ـ ﷺ ـ قد بعث والكفر قد عم الأرض، وكانوا قد أكثروا في التكذيب بالساعة والقطع بالإنكار لها بعضهم صريحاً، وبعضهم لزوماً، لضلاله عن منهاج الرسل وكان الذي ينبغي للعالم الحكيم أن لا يقطع بالشيء إلا بعد إحاطة علمه به، قال متهكماً بهم كما تقول لأجهل الناس : ما أعلمك! استهزاء به مستدركاً لنفي شعورهم بها بياناً لكذبهم باضطراب قولهم :﴿بل ادّارك﴾ أي بلغ وتناهي ﴿علمهم في الآخرة﴾ أي أمرها مطلقاً : علم وقتها ومقدار عظمتها في هو لها وغير ذلك من نعتها لقطعهم بإنكارها وتمالؤهم عليه، وتنويع العبارات فيه، وتفريع القول في أمره - هذا في قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وكذا في قراءة الباقين : ادّارك بمعنى تدارك يعني تتابع واستحكم.
ولما كانوا مع تصريحهم بالقطع في إنكارها كاذبين في قطعهم، مرتبكين في جهلهم، وقد يعبرون - دليلاً على أنه لا علم من ذلك عندهم - بالشك، قال تعالى :﴿بل هم في شك﴾ ولما كانت لشدة ظهورها لقوة أدلتها كأنها موجودة، عبر بمن، أي مبتدىء ﴿منها﴾ ولما كانوا يجزمون بنفيها تارة ويترددون أخرى، كانت حقيقة حال من ينكر الشيء تارة على سبيل القطع وأخرى وجه الشك الوصف بالجهل البالغ به قال :﴿بل هم﴾ ولما كان الإنسان مطبوعاً على نقائص موجبة لطغيانه، ومبالغته في العلو في جميع شأنه، ولا يوهن تلك النقائص منه إلا الخوف من عرضه على ديانه، الموجب لجهله.