فصل


قال الفخر :
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) ﴾
اعلم أنه سبحانه لما تكلم في حال المبدأ تكلم بعده في حال المعاد، وذلك لأن الشك في المعاد لا ينشأ إلا من الشك في كمال القدرة، أو في كمال العلم فإذا ثبت كونه تعالى قادراً على كل الممكنات، وعالماً بكل المعلومات، ثبت أنه تعالى يمكنه تمييز أجزاء بدن كل واحد من المكلفين عن أجزاء بدن غيره، وثبت أنه قادر على أن يعيد التركيب والحياة إليها وإذا ثبت إمكان ذلك ثبت صحة القول بالحشر فلما بين الله تعالى هذين الأصلين فيما قبل هذه الآية، لا جرم لم يحكه في هذه الآية، فحكى عنهم أنهم تعجبوا من إخراجهم أحياء وقد صاروا تراباً وطعنوا فيه من وجهين : الأول : قولهم :﴿لَقَدْ وُعِدْنَا هذا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا﴾ أي هذا كلام كما قيل لنا فقد قيل لمن قبلنا، ولم يظهر له أثر فهو إذن من أساطير الأولين يريدون ما لا يصح من الأخبار، فإن قيل ذكر ههنا ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا هذا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا﴾ وفي آية أخرى :﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هذا﴾ [ المؤمنون : ٨٣ ] فما الفرق ؟ قلنا التقديم دليل على أن المقدم هو المقصود الأصلي وأن الكلام سيق لأجله، ثم إنه سبحانه لما كان قد بين الدلالة على هذين الأصلين، ومن الظاهر أن كل من أحاط بهما فقد عرف صحة الحشر والنشر ثبت أنهم أعرضوا عنها ولم يتأملوها، وكان سبب ذلك الإعراض حب الدنيا وحب الرياسة والجاه وعدم الانقياد للغير، لا جرم اقتصر على بيان أن الدنيا فانية زائلة فقال :﴿قُلْ سِيرُواْ فِى الأرض فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين﴾ وفيه سؤالان :
السؤال الأول : لم لم يقل : كيف كانت عاقبة المجرمين ؟ جوابه : لأن تأنيثها غير حقيقي ولأن المعنى كيف كان آخر أمرهم.


الصفحة التالية
Icon