قال شيخنا الإمام أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي في كتاب المفهم له : وإنما كان عند هذا القائل الأقرب لقوله تعالى :﴿ تُكَلِّمُهُمْ ﴾ وعلى هذا فلا يكون في هذه الدابة آية خاصة خارقة للعادة، ولا تكون من جملة العشر الآيات المذكورة في الحديث ؛ لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير، فلا آية خاصة بها فلا ينبغي أن تذكر مع العشر، وترتفع خصوصية وجودها إذا وقع القول، ثم فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر الفاضل العالم الذي على أهل الأرض أن يسمّوه باسم الإنسان أو بالعالم أو بالإمام إلى أن يسمّى بدابة ؛ وهذا خروج عن عادة الفصحاء، وعن تعظيم العلماء، وليس ذلك دأب العقلاء ؛ فالأولى ما قاله أهل التفسير، والله أعلم بحقائق الأمور.
قلت : قد رفع الإشكال في هذه الدابة ما ذكرناه من حديث حذيفة فليعتمد عليه.
واختلف من أي موضع تخرج، فقال عبد الله بن عمر : تخرج من جبل الصفا بمكة ؛ يتصدع فتخرج منه.
قال عبد الله بن عمرو نحوه وقال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت.
وروي في خبر عن النبي ﷺ :" إن الأرض تنشق عن الدابة وعيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون من ناحية المسعى وأنها تخرج من الصفا فتسم بين عيني المؤمن هو مؤمن سِمةً كأنها كوكب دُرّي وتسم بين عيني الكافر نكتة سوداء كافر " وذكر في الخبر أنها ذات وبر وريش ؛ ذكره المهدوي.
وعن ابن عباس أنها تخرج من شعْب فتمَسّ رأسها السحاب ورجلاها في الأرض لم تخرجا، وتخرج ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام.
وعن حذيفة : تخرج ثلاث خرجات ؛ خرجة في بعض البوادي ثم تَكمُن، وخرجة في القرى يتقاتل فيها الأمراء حتى تكثر الدماء، وخرجة من أعظم المساجد وأكرمها وأشرفها وأفضلها.
الزمخشري : تخرج من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد ؛ فقوم يهربون، وقوم يقفون نظّارة.
وروي عن قتادة أنها تخرج في تهامة.