وقال القرطبى :
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس ﴾
في تأخير العقوبة وإدرار الرزق ﴿ ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ فضله ونعمه.
قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ﴾ أي تخفي صدورهم ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ يظهرون من الأمور.
وقرأ ابن محيصن وحميد ﴿ مَا تَكُنُّ ﴾ من كَننتُ الشيء إذا سترتَه هنا.
وفي "القصص" تقديره : ما تَكُنّ صدورهم عليه ؛ وكأن الضمير الذي في الصدور كالجسم الساتر.
ومن قرأ :﴿ تُكِنُّ ﴾ فهو المعروف ؛ يقال : أكننت الشيء إذا أخفيته في نفسك.
قوله تعالى :﴿ وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي السمآء والأرض إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ قال الحسن : الغائبة هنا القيامة.
وقيل : ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض ؛ حكاه النقاش.
وقال ابن شجرة : الغائبة هنا جميع ما أخفى الله تعالى عن خلقه وغيبه عنهم، وهذا عام.
وإنما دخلت الهاء في ﴿ غَائِبَةٍ ﴾ إشارة إلى الجمع ؛ أي : ما من خَصْلة غائبة عن الخلق إلا والله عالم بها قد أثبتها في أم الكتاب عنده، فكيف يخفى عليه ما يسرّ هؤلاء وما يعلنونه.
وقيل : أي كل شيء هو مثبت في أم الكتاب يخرجه للأجل المؤجل له ؛ فالذي يستعجلونه من العذاب له أجل مضروب لا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه.
والكتاب اللوح المحفوظ أثبت الله فيه ما أراد ليعلم بذلك من يشاء من ملائكته.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ هذا القرآن يَقُصُّ على بني إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾
وذلك أنهم اختلفوا في كثير من الأشياء حتى لعن بعضهم بعضاً فنزلت.
والمعنى : إن هذا القرآن يبيّن لهم ما اختلفوا فيه لو أخذوا به، وذلك ما حرّفوه من التوراة والإنجيل، وما سقط من كتبهم من الأحكام.
﴿ وَإِنَّهُ ﴾ يعني القرآن ﴿ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ ﴾ خص المؤمنين لأنهم المنتفعون به.