ولما كانوا لا يقتصرون على التكذيب، بل يبغون للمؤمنين الغوائل، وينصبون الحبائل، قال :﴿ولا تكن﴾ مثبتاً للنون لأنه في سياق الإخبار عن عنادهم واستهزائهم مع كفايته سبحانه وتعالى لمكرهم بما أعد لهم من سوء العذاب في الدارين، فلا مقتضى للتناهي في الإيجاز والإبلاغ في نفي الضيق، فيفهم إثبات النون الرسوخ، فلا يكون منهياً عما لا ينفك عنه العسر مما أشار إليه قوله تعالى ﴿ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون﴾ وإنما ينهى عن التمادي معه في الذكر بخلاف ما مضى في النحل، فإن السياق هناك للعدل في العقوبة لما وقع من المصيبة في غزوة أحد المقتضى لتعظيم التسلية بالحمل على الصبر، ونفي جميع الضيق ليكون ذلك وازعاً عن مجاوزة الحد، بل حاملاً على العفو ﴿في ضيق﴾ أي في الصدر ﴿مما يمكرون﴾ فإن الله جاعل تدميرهم في تدبيرهم كطغاة قوم صالح.
ولما أشار إلى أنهم لم يبقوا في المبالغة في التكذيب بالساعة وجهاً، أشار إلى أنهم بالوعيد بالساعة وغيرها من عذاب الله أشد مبالغة، فقال :﴿ويقولون﴾ بالمضارع المؤذن بالتجدد كل حين للاستمرار :﴿متى هذا الوعد﴾ وسموه وعداً إظهاراً للمحبة تهكماً به، وهو العذاب والبعث والمجازاة ﴿إن كنتم﴾ أي أنت ومن تابعك، كوناً هو في غاية الرسوخ، كما تزعمون ﴿صادقين﴾ فأجابهم على هذا الجواب الغص بجواب الواسع القادر الذي لا يعتريه ضيق، ولا تنويه عجلة، مشيراً إلى الاستعداد للدفاع أو الاستسلام لذي الجلال والإكرام، كما فعلت بلقيس ـ رضى الله عنه ـ ا، فقال مخاطباً الرأس الذي لا يقدر على هذه التؤده حق القدرة غيره :﴿قل﴾ يا محمد ﴿عسى﴾ أي يمكن ﴿أن يكون﴾ وجدير وخليق بأن يكون ﴿ردف﴾ أي تبع ردفاً حتى صار كالرديف ولحق.