ولما كان الأمر مهولاً، كان الإطناب أولى، فقال :﴿ومن في الأرض﴾ أي كلهم ﴿إلا من شاء الله﴾ أي المحيط علماً وقدرة وعزة وعظمة، أن لا يفزع ؛ ثم أشار إلى النفخ لإحياء الكل بقوله :﴿وكل﴾ أي من فزع ومن لم يفزع ﴿أتوه﴾ أي بعد ذلك للحساب بنفخة أخرى يقيمهم بها، دليلاً على تمام القدرة في كونه أقامهم بما به أنامهم ﴿داخرين﴾ أي صاغرين منكسرين ؛ واستغنى عن التصريح به بما يعلم بالبديهة من أنه لا يمكن إتيانهم في حال فزعهم الذي هو كناية عن بطلان إحساسهم، هذا معنى ما قاله كثير من المفسرين والذي يناسب سياق الآيات الماضية - من كون الكلام في يوم القيامة الذي هو ظرف لما بين البعث ودخول الفريقين إلى داريهما - أن يكون هذا النفخ بعد البعث وبمجرد صعق هو كالغشي كما أن حشر الأفواج كذلك، ويؤيده التعبير بالفزع، ويكون الإتيان بعده بنفخة أخرى تكون بها الإقامة، فهاتان النفختان حينئذ هما المراد من قوله ـ ﷺ ـ :" يصعق الناس يوم القيامة " - الحديث، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى لفظاً ومعنى، ويحل ما فيه من إشكال في آخر سورة الزمر.


الصفحة التالية
Icon