فقال إنه تعدى على أيضا مثل ذلك، وبما أنه عليه السلام يعلم كثرة تعدي القبط على الاسرائيليين فقد أخذته الغيرة وساقته الحمية على الاسرائيليين لأنهم من دمه، فظهر عليه الغضب السائق للانتقام "فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما" في الأصل وهو القبطي "قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ" كأنه توهم من قوله للإسرائيلي انك لغوي مبين أنه هو الذي قتل القبطي المار ذكره الذي لم يعرف قاتله لأنهم لما فقدوه تحروا عليه فوجدوه قد دسّ بالرمل، فأخذوه ولم يعرفوا قاتله.
وهذا التفسير موافق لظاهر الآية وسياقها ولقوله تعالى "إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ" الجبار هو الذي يفعل الفعلة لا يخاف عقباها "وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ" ١٩ فيها بأن تدفع بالتي هي أحسن، لأنه يبعد على الاسرائيلي الذي انتصر له أولا وآخرا أن يقول في حق موسى هذا القول وهو وغيره، عرف أن ما حصل لهم من العزة والمكانة إلا بسبب وجوده، ويجدر بالقبطي
أن يقول ذلك القول لأنه عرف من فحوى المخاطبة بين موسى والاسرائيلي والاستغاثة به عليه ان قتل القبطي وقع منه، وكلاهما يعلم أن ما حصل للاسرائلين من المهابة هو لأجل موسى لأنه تربى في بيت الملك، ويعلمون أن الملك وزوجته وبنته يحبونه حبا جما، فقال ما قال بحقه، هذا، وأن أكثر المفسرين مشوا على أن القائل هو الاسرائيلي لأنه توهم إرادة البطش بدون القبطي، لأنه سماه غويا فقال ما قال بحق موسى وفشى أمره بين الناس بأنه هو القاتل، ولذلك قالوا انه، السامري، فيكون جزاء موسى منه افتضاح أمره ووصمه بالجبارية وعدم الإصلاح فيصدق عليه قول القائل :
ومن يفعل المعروف في غير أهله يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم


الصفحة التالية
Icon