"آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً" أبصر نارا من الجهة التي تلي الطور، وكان البرد شديدا، وقد أخذ أهله الطلق فولدت وصار بحاجة ماسة لتدفئتها "قالَ لِأَهْلِهِ" التي لم يعد بإمكانها السير "امْكُثُوا" مكانكم هذا الخطاب لها ولخادمتها وابنها بالتبعية "إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ" عن الطريق "أَوْ جَذْوَةٍ" آتيكم بشعلة "مِنَ النَّارِ" التي رأيتها "لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ" ٣٠ تستدفئون بها، فامتثلوا أمره، فتركهم وذهب مسرعا "فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ" من ضفته اليمنى بالنسبة للمقبل اليه "فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ" بسبب وقوع التكليم فيها، وقدست تلك البقعة لتشرف موسى بالنبوة فيها "مِنْ"
ناحية "الشَّجَرَةِ" التي أسرق عليها نور الإله العظيم، فأضاء ما حولها، وجاءه النداء الإلهي منها قال ابن عباس هي شجرة عناب وقدست أيضا لذلك السبب ثم فسر ذلك النداء بقوله "أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ" ٣١ فلما دنا منها شملته أنوار القدس وأحاطت به جلابيب الأنس، ورأى النور في هيئة النار، وخرطب بألطف خطاب، وصار مكلما شريفا لحضرة رب الأرباب، وقد أعطي ماسئل، وأمن مما خاف، وحظي بالألطاف، قيل لموسى عليه السلام كيف عرفت أنه نداء ربك ؟ قال لأني سمعته بجميع أجزائي وعلمت أنه لا يجمع بين النار وخضرة الشجرة إلا الواحد القهار، والجذوة مثلتة الجيم، كالجثوة والرغوة والحضرة والصفوة والربوة والعشوة والنشوة والوجنة والخدعة والفلقة، أي تقرأ بالضم والفتح والكسر، وهي العود الغليظ سواء كان في رأسه نار كقوله :
وألقى على قيس من النار جذوة شديدا عليها حرها والتهابها
أو لم يكن كقوله :
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جذل الجذا غير خوّار ولا دعر


الصفحة التالية
Icon