ولهذا البحث صلة في الآية ٦٠ من سورة الإسراء الآتية فراجعه ففيه الكفاية.
قال تعالى "وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى " أقوام هود وصالح وإبراهيم ومن تقدمهم من قوم نوح، وانما قال تعالى من بعد إهلاك هؤلاء وهو أعلم إشعارا بأنها أي التوراة المعبر عنها بالكتاب، نزلت بعد مساس الحاجة إليها تمهيدا لما يعقبه من بيان مساس الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن العظيم على محمد صلّى اللّه عليه وسلم، لأن إهلاك القرون الأولى من موجبات اندراس معالم الشرائع وانطماس آثارها المؤديين إلى اختلال نظام العالم وفساد أحوال الأمم المستدعين إلى لزوم إحداث لزوم تشريع جديد بتقرير الأحوال الباقية على مر الدهور وترتيب الفروع المبدّلة بتبدل العصور وتذكير أحوال الأمم الماضية الخالية الموجبة للاعتبار، ومن لم يرشد إلى هذا فسّر القرون الاولى بمن لم يؤمن بموسى عليه السّلام وهو ليس بشيء، وجعل هذا الكتاب وهو التوراة "بَصائِرَ لِلنَّاسِ" نورا لقلوبهم يبصرون بها الحقائق ويميزون بها بين الحق والباطل، إذ كانوا عميا عن الفهم والإدراك بالكلية، لأن البصيرة نور القلب الذي به يستضيئون، ويستبصر بالبصيرة أهل المعرفة، كما أن البصر العين الذي تبصر الحسيات المادية، "وَهُدىً" من الضلال إذا عملوا بها "وَرَحْمَةً" لمن
صدّق بها وآمن بمن أنزلت عليه "لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" ٤٣ بما فيها من المواعظ، وقد صح أن عمر رضي اللّه عنه استأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال انا نسمع أحاديث من يهود فتعجبنا، فترى انكتب بعضها ؟ فقال صلّى اللّه عليه وسلم أتتهوكون كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو أن موسى حي ما وسعه إلا اتباعي.
ومعنى تتهوكون تتحيرون ومعنى بيضاء نقية لا تحتاج إلى شيء آخر.


الصفحة التالية
Icon