وإلى هنا انتهت نصيحة قوم قارون له، وانظر إلى غروره وطيشه في جوابه لهم "قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ" أي ذلك المال الكثير ليس كما تقولون، وإنما كان "عَلى عِلْمٍ" عظيم "عِنْدِي" علمنيه ؟ ؟ ؟ اللّه وفضل استوجبت فيه التفوق عليكم، فكان ذلك استحقاقا لي فردّ اللّه تعالى عليه بقوله عز قوله "أَ وَلَمْ يَعْلَمْ" هذا الخبيث "أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ" من القرون الماضية مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً" على جمع المال وعلما في استخراج الفضة والذهب من المعادن الأرضية واسترباحها في الأعمال والتجارات وتعاطي الحرف "وَأَكْثَرُ جَمْعاً" للأموال منه ولم يدع دعوته هذه، وأراد الملعون بالعلم علم الكيمياء لأنه كان ماهرا فيها، إذ يستخرج من الرصاص الفضّة ومن النحاس الذهب، وكان حاذقا في نموّ المال، ولهذا ظن أنه أهل لذلك فأعطاه اللّه المال بفضله عليهم ولم يعلم أن تعليمه ذلك كان بتقدير اللّه إياه عليه، ولو لا ذلك لما قدر أن يسقي
نفسه جرعة ماء، ولكن من غرّه عمله غاب عنه زلله والعياذ باللّه، وما قيل إنه أراد بالعلم علم التوراة قيل لا قيمة له، لأنه لو أراد ذلك لما افتخر به على قومه وتفوق عليهم، لأن فيهم من يعلمها مثله، ولو كان، لساقه علمها إلى التواضع ولين الجانب وكثرة الإنفاق ومكارم الأخلاق لأنها هدى ونور أنزلها اللّه على موسى وقومه ليهتدوا بها وينتهوا عما تحلى به قارون من الكبرياء والعظمة، فكان مجرما عند اللّه تعالى بذلك "وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ" ٧٨ بل يدخلهم النار رأسا من غير حاجة إلى السؤال والاستعذار.


الصفحة التالية
Icon