هذا أيها العاقل الكامل مصير الدنيا بأهلها، أما الآخرة فاسمع ما يقول اللّه تعالى فيها "تِلْكَ" التي مرّ وصفها غير مرّة هي "الدَّارُ الْآخِرَةُ" الباقية الدائمة ذات الجنات والنعيم الدائم والصحّة والأمان "نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ" على غيرهم ترفعا وتكبرا "وَلا فَساداً" في هذه الدنيا كقارون وأضرابه بل للذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين يعملون لعاقبتهم "وَالْعاقِبَةُ" المحمودة "لِلْمُتَّقِينَ" ٨٣ اللّه في الدنيا المتباعدين عن لأحوال المذمومة كالظلم والعسف والخيلاء والتجبر، الذين يأبون الأعمال السيئة وينكبون على الأعمال الصالحة لأنهم علموا أن "مَنْ جاءَ" ربه يوم القيامة "بِالْحَسَنَةِ" الواحدة "فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها" عشر أمثالها إلى سبعمئة، واللّه يضاعف لمن يشاء "وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ" في دنياهم ولم يقلعوا عنها "إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ" ٨٤ أي بمثلها فقط، وهذا من لطف اللّه بعباده جلّت رأفته، فإنه لم يذكر للسيئة جزاء أكثر منها، وقد ذكر للحسنة جزاء بما لا حدّ له فنعم الرب رب العالمين.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : إن اللّه كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها اللّه له حسنة كاملة، وان هم بها فعملها كتبها اللّه عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وان هم بسيئة فلم يعملها كتبها اللّه عنده حسنة عاملة، وإن هم بها فعملها كتبها اللّه سيئة واحدة.


الصفحة التالية
Icon