وقد قال آخرونَ: أن معنى (وَىْ كأنَّ) أَنّ (وَىْ) منفصلة من (كأنّ) كقولك للرجل: وَىْ، أمَا ترى ما بين يديكَ، فقال: وَىْ، ثم استأنف (كأنّ) يعنى ﴿كَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ وهى تعجّب، و (كأنَّ) فى مذهب الظنّ والعلم. فهذا وجه مُستقيم. ولم تكتبها العرب منفصلةً، ولو كانت عَلى هذا لكتبوهَا منفصِلةً. وقد يجوز أن تكون كَثُر بها الكلام فوُصِلت بما ليست منه ؛ كما اجتمعَت العرب على كتاب ﴿يا بْنَ أُمَّ﴾ ﴿يابْنَؤُمَّ﴾ قال: وكذا رأيتها فى مُصْحف عَبْدالله. وهى فى مصاحفنا أيضاً.
وقوله: ﴿لَخَسَفَ بِنَا﴾ قراءة العامة (لَخُسِفَ) وقد قرأها شَيْبة والحسن - فيما أعْلم - (لخَسَفَ بنا) وهى فى قراءة عبدالله (لانْخُسِف بِنَا) فهذا حُجّةٌ لمن قرأ ﴿لخُسِفَ﴾.
﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ...﴾
يقول: أنزَل عَليكَ القرآن ﴿لَرَادُّكَ إلَى مَعَاد﴾ ذكروا أن جبريل قال يا محمَّد أَشتقت إلى مولدكَ ووطنك؟ قال: نعم. قال فقال له ما أنزل عليه ﴿نَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ يعنى إلى مكَّة. والمَعَاد هَا هُنَا إنما أراد به حيث وُلِدت وليسَ من العَوْد. وقد يكون أن يجعَل قوله ﴿لرادُّكَ﴾ لمصيرك إلى أن تعود إلى مَكَّة مَفتُوحَةً لك فيكون المعاد تَعجّباً ﴿إلى مَعَادٍ﴾ أَيِّما مَعَادٍ! لِمَا وعده من فتح مكَّة.
﴿ وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ ﴾
وقوله: ﴿وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ...﴾
إلاَّ أن ربَّكَ رحمك ﴿فأنزل عليك﴾ فهو استثناء منقطِع. ومعناهُ: وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولينَ وَقِصَصهم تتلوهَا على أهْل مَكَّة ولم تحضُرهَا ولم تشهدها. والشاهد عَلى ذلكَ قوله فى هَذه السُّورة ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فى أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عليهِم آياتِنَا﴾ أى إنك تتلو على أهل مَكَّة قِصَص مَدْيَن وَمُوسى ولم تكن هنالكَ ثاوياً مقيماً فنراه وتسمعَه. وكذلك قوله ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغَرْبِىِّ﴾ وهأنت ذا تتلُو قِصَصهم وأمرهم. فهذه الرَّحمة من ربّه.
﴿ وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ الهاً آخَرَ لاَ اله إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
وقوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ...﴾
إلاَّ هُوَ.
وَقال الشاعر:
أستغفرُ الله ذنباً لَسْتُ مُحْصِيهُ * رَبّ العِبَاد إليه الوَجْهُ وَالْعَمَلُ
أى إليه أُوَجّه عَمَلى. أ هـ ﴿معانى القرآن / للفراء حـ ٢ صـ ٣٠٢ ـ ٣١٤﴾


الصفحة التالية
Icon