الكهنة، وهذه الأسباب الثلاثة مانعة من كونه هو، لانه لم يعلم انه من بني إسرائيل وهو في ارض غير ارض مصر، وهو ابن سنتين والمأمور بذبحهم أولاد هذه السنة، وكان عمره عليه السلام إذ ذاك ثلاثة أشهر، لكن
الأنبياء يشبون بالشهر شباب الصبي من غيرهم بسنة بحكمة ربانية، فسكت فرعون وملؤه، ولم يردوا عليها.
واعلم ان هذا التفسير الذي جرينا عليه أولى من جعل وهم لا يشعرون حالا من آل فرعون، وجعل جملة إن فرعون وهامان اعتراضية، وأنسب بالمقام، وأوفق للسياق، واشيع للمعنى، قالوا وكانت آسية من خيار الناس ومن بنات الأنبياء، ترحم المساكين وتتصدق عليهم، والقى اللّه محبته في قلب فرعون ايضا فحقق اللّه فيه ظن آسية لما رأت فيه من مخايل البركة ودلائل النجابة، وقيل في المعنى :
في المهد ينطق عن سعادة جده أثر النحابة ساطع البرهان
وحقق اللّه ظن فرعون وقومه أيضا قال :
إذا لم يكن عون من اللّه للفتى فأول ما يجي عليه اجتهاده
قال تعالى "وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً" من الصبر ناسيا ما نفث فيه من الإلهام الإلهي خاليا من كل شيء، ملآن بذكر موسى إذ بلغها أنه وقع بين يدي عدوه، وانتهكها الندم على ما فعلت بيدها، حتى أسلمته لعدوه وأنساها عظم بلاء الفقد ما كان عهد إليها من قبل اللّه بحفظه، وبلغ بها الحال إلى "إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ" تصرح للناس علنا أنه ابنها لما دهمها من الضجر وأنه هو ابن ثلاثة أشهر وإسرائيلي ومن أرض مصر، وأنها صنعت ما صنعت من شدة وجلها عليه "لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها" فثبتناه بإلقاء الصبر الجميل فيه، وربط القلب تقويته بايقاع الصبر فيه "لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" ١٠ بوعدنا المصدقين فيه.


الصفحة التالية
Icon