فصل
قال الفخر :
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) }
اعلم أنه تعالى لما قال :﴿فَذَانِكَ برهانان مِن رَّبّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ [ القصص : ٣٢ ] تضمن ذلك أن يذهب موسى بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه، فعند ذلك طلب من الله تعالى ما يقوي قلبه ويزيل خوفه فقال :﴿رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً﴾ لأنه كان في لسانه حبسة، إما في أصل الخلقة، وإما لأجل أنه وضع الجمرة في فيه عندما نتف لحية فرعون.
أما قوله :﴿فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءاً يُصَدّقُنِي﴾ ففيه أبحاث :
البحث الأول : الردء اسم ما يستعان به، فعل بمعنى مفعول به، كما أن الدفء اسم لما يدفأ به، يقال ردأت الحائط أردؤه إذا دعمته بخشب أو غيره لئلا يسقط.
البحث الثاني : قرأ نافع ( رداً ) بغير همز والباقون بالهمز، وقرأ عاصم وحمزة ( يصدقني ) برفع القاف، ويروى ذلك أيضاً عن أبي عمرو والباقون بجزم القاف وهو المشهور عن أبي عمرو، فمن رفع فالتقدير ردءاً مصدقاً لي، ومن جزم كان على معنى الجزاء، يعني أن أرسلته صدقني ونظيره قوله :﴿فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِى﴾ [ مريم : ٥، ٦ ] بجزم الثاء من يرثني.
وروى السدي عن بعض شيوخه ردءاً كيما يصدقني.
البحث الثالث : الجمهور على أن التصديق لهرون، وقال مقاتل : المعنى كي يصدقني فرعون والمعنى أرسل معي أخي حتى يعاضدني على إظهار الحجة والبيان، فعند اجتماع البرهانين ربما حصل المقصود من تصديق فرعون.