" الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النار " (١)
وكل مستكبر سواه فاستكباره بغير الحق.
المسألة الثانية :
قال الجبائي الآية تدل على أنه تعالى ما أعطاه الملك وإلا لكان ذلك بحق وهكذا كل متغلب، لا كما ادعى ملوك بني أمية عند تغلبهم أن ملكهم من الله تعالى فإن الله تعالى قد بين في كل غاصب لحكم الله أنه أخذ ذلك بغير حق، واعلم أن هذا ضعيف لأن وصول ذلك الملك إليه، إما أن يكون منه أو من الله تعالى، أو لا منه ولا من الله تعالى، فإن كان منه فلم لم يقدر عليه غيره، فربما كان العاجز أقوى وأعقل بكثير من المتولي للأمر ؟ وإن كان من الله تعالى فقد صح الغرض، وإن كان من سائر الناس فلم اجتمعت دواعي الناس على نصرة أحدهما وخذلان الآخر ؟ واعلم أن هذا أظهر من أن يرتاب فيه العاقل.
أما قوله :﴿وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ﴾ فهذا يدل على أنهم كانوا عارفين بالله تعالى إلا أنهم كانوا ينكرون البعث فلأجل ذلك تمردوا وطغوا. (٢)
أما قوله :﴿فأخذناه وَجُنُودَهُ فنبذناهم فِى اليم﴾ فهو من الكلام المفحم الذي دل به على عظم شأنه وكبرياء سلطانه، شبههم استحقاراً لهم واستقلالاً لعددهم، وإن كانوا الكبير الكثير والجم الغفير بحصيات أخذهن آخذ في كفه فطرحهن في البحر ونحو ذلك وقوله :﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شامخات﴾ [ المرسلات : ٢٧ ] ﴿وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً واحدة﴾ [ الحاقة : ١٤ ] ﴿وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ﴾ [ الزمر : ٦٧ ] سبحانه وتعالى وليس الغرض منه إلا تصوير أن كل مقدور وإن عظم فهو حقير بالقياس إلى قدرته.

(١) لهذا الحديث تتمة وهي «فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار ولا أبالي».
(٢) إن تواريخ قدماء المصريين وآثارهم والنقوش التي في معابدهم وأهرامهم تشهد بأنهم كانوا يؤمنون بالرجعة والبعث، فالمراد بالآية تشبيه حالهم في اتباع الأهواء والانصراف عن الآخرة وعدم العمل لما بعد الموت بحال من ينكر البعث.


الصفحة التالية
Icon