ومناسبة قراءة الجمهور أنه لما جاءهم بالبينات قالوا : كيت وكيت، وقال موسى : كيت وكيت ؛ فيتميز الناظر فصل ما بين القولين وفساد أحدهما، إذ قد تقابلا، فيعلم يقيناً أن قول موسى هو الحق والهدى.
ومناسبة قراءة ابن كثير، أنه موضع قراءة لما قالوا : كيت وكيت، قال موسى : كيت وكيت.
ونفى فرعون علمه بإله غيره للملأ، ويريد بذلك نفي وجوده، أي ما لكم من إله غيري.
ويجوز أن يكون غير معلوم عنده إله لهم، ولكنه مظنون، فيكون النفي على ظاهره، ويدل على ذلك قوله :﴿ وإني لأظنه من الكاذبين ﴾، وهو الكاذب في انتفاء علمه بإله غيره.
ألا ترى إلى قوله حالة غرقه :﴿ آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ﴾ واستمر فرعون في مخرقته، ونادى وزيره هامان، وأمره أن يوقد النار على الطين.
قيل : وهو أول من عمل الآجر، ولم يقل : أطبخ الآخر، لأنه لم يتقدم لهامان علم بذلك، ففرعون هو الذي يعلمه ما يصنع.
﴿ فاجعل لي صرحاً ﴾ : أي ابن لي، لعل أطلع إلى إله موسى.
أوهم قومه أن إله موسى يمكن الوصول إليه والقدرة عليه، وهو عالم متيقن أن ذلك لا يمكن له ؛ وقومه لغباوتهم وجهلهم وإفراط عمايتهم، يمكن ذلك عندهم، ونفس إقليم مصر يقتضي لأهله تصديقهم بالمستحيلات وتأثرهم للموهمات والخيالات، ولا يشك أنه كان من قوم فرعون من يعتقد أنه مبطل في دعواه، ولكن يوافقه مخافه سطوه واعتدائه.
كما رأيناه يعرض لكثير من العقلاء، إذا حدث رئيس بحضرته بحديث مستحيل، يوافقه على ذلك الحديث.
ولا يدل الأمر ببناء الصرح على أنه بني، وقد اختلف في ذلك، فقيل : بناه، وذكر من وصفه بما الله أعلم به.
وقيل : لم يبن.
واطلع في معنى : اطلع، يقال : طلع إلى الجبل واطلع بمعنى واحد، أي صعد، فافتعل فيه بمعنى الفعل المجرد وبغير الحق، إذ ليس لهم ذلك، فهم مبطلون في استكبارهم، حيث ادعى الإلهية ووافقوه على ذلك ؛ والكبرياء في الحقيقة إنما هو لله.


الصفحة التالية
Icon