﴿ إلى إله موسى ﴾ الذي يذكر أنه إلهه وإله العالمين، كأنه يوهم قومه أنه تعالى لو كان كما يقول موسى لكان جسماً في السماء كون الأجسام فيها يمكن الرقي إليه ثم قال :﴿ وَإِنّى لاظُنُّهُ مِنَ الكاذبين ﴾ فيما يذكر تأكيداً لما أراد وإعلاماً بأن ترجيه الصعود إلى إله موسى عليه السلام ليس لأنه جازم بأنه هناك، والأمر بجعل الصرح وبنائه لا يدل على أنه بنى، وقد اختلف في ذلك فقيل بناه وذكر من وصفه ما الله عز وجل أعلم به، وقيل لم يبن وعلى هذا يكون قوله ذلك وأمره للتلبيس على قومه وإيهامه إياهم أنه بصدد تحقيق الأمر، ويكون ما ذكر ذكراً لأحد طرق التحقيق فيتمكن من أن يقول بعده حققت الأمر بطريق آخر فعلمت أن ليس لكم إله غيري وأن موسى كاذب فيما يقول، وعلى الأول يحتمل أن يكون صعد الصرح وحده أو مع من يأمنه على سره وبقي ما بقي ثم نزل إليهم فقال لهم : صعدت إلى إله موسى وحققت إن ليس الأمر كما يقول وعلمت أن ليس لكم إله غيري.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : لما بنى له الصرح ارتقى فوقه فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهو متلطخة دماً فقال قتلت إله موسى، وهذا إن صح من باب التهكم بالفعل ولا أظنه يصح.
وأياً ما كان فالقوم كانوا في غاية الغباوة والجهل وإفراط العماية والبلادة وإلا لما نفق عليهم مثل هذا الهذيان.
ولله تعالى خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص.
ولا يبعد أن يقال كان فيهم من ذوي العقول من يعلم تمويهه وتلبيسه ويعتقد هذيانه فيما يقول إلا أنه نظم نفسه في سلك الجهال ولم يظهر خلافاً لما عليه اللعين بحال من الأحوال وذلك إما للرغبة فيما لديه أو للرهبة من سوطته واعتدائه عليه وكم رأينا عاقلاً وعالماً فاضلاً يوافق لذلك الظلمة الجبابرة ويصدقهم فيما يقولون وإن كان مستحيلاً أو كفراً بالآخرة.


الصفحة التالية
Icon