وكان قول اللعين لموسى عليه السلام ﴿ لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين ﴾ [ الشعراء : ٢٩ ] بعد هذا القول المحكي ههنا بأن يكون قاله وأردفه بإخبارهم على البت أن لا إله لهم غيره، ثم هدد موسى بالسجن إن بدا منه ما يشعر بخلافه، وهذا وجه في الآية لا يخلو عن لطف وإن كان فيه نوع خفاء وفيها أوجه أخر.
الأول أنه أراد بقوله :﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى ﴾ نفي العلم دون الوجود كما في ذلك الوجه إلا أنه لم ينف الوجود لأنه لم يكن عنده ما يقضتي الجزم بالعدم وأراد بقوله إني لأظنه من الكاذبين إني لأظنه كاذباً في دعوى الرسالة من الله تعالى، وأراد بقوله : يا هامان أوقد لي على الطين الخ إعلام الناس بفساد دعواه تلك بناء على توهمه أنه تعالى إن كان كان في السماء بأنه لو كان رسولاً منه تعالى فهو ممن يصل إليه، وذلك بالصعود إليه وهو مما لا يقوى عليه الإنسان فيكون من نوع المحال بالنسبة إليه فما بنى عليه وهي الرسالة منه تعالى مثله، فقوله :﴿ فاجعل لّى صَرْحاً ﴾ لإظهار عدم إمكان الصعود الموقوف عليه صحة دعوى الرسالة في زعمه ولعل للتهكم.
الثاني : أنه أراد أيضاً نفي العلم بالوجود دون الوجود نفسه لكنه كان في نفي العلم ملبساً على قومه كاذباً فيه حيث كان يعلم أن لهم إلهاً غيره هو إله الخلق أجمعين، وهو الله عز وجل وأراد بقوله :﴿ وَإِنّى ﴾ الخ إني لأظنه كاذباً في دعوى الرسالة كما في سابقه، وأراد بقوله يا هامان الخ طلب أن يجعل له ما يزيل به شكه في الرسالة، وذلك بأن يبني له رصداً في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب الدالة على الحوادث الكونية بزعمه فيرى هل فيها ما يدل على إرسالة الله تعالى إياه.