وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
وقوله تعالى :﴿ من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ﴾
إخبار بأنه أنزل التوراة على موسى بعد هلاك فرعون قومه وبعد هذه الأمم التي قد تقدم ذكرها من عاد وثمود وقرية قوم لوط وغيرها، والقصد بهذا الإخبار التمثيل لقريش بما تقدم في غيرها من الأمم، وقالت، فرقة : إن الآية مضمنة أن إنزال التوراة على موسى هو بعد أن رفع الله تعالى عذاب الأمم فلم تعذب أمة بعد نزول التوراة إلا القرية التي مسخت قردة، فيما روي، وقوله ﴿ بصائر ﴾ نصب على الحال، أي طرائق هادية، وقوله تعالى :﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ أي على ترجى البشر وما يعطيه تأميل من أمل الأمر، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : ما أهلك الله تعالى أمة بعذاب منذ أنزل إلى الأرض غير القرية التي مسخت قردة وهم الذي تعدوا في السبت، وهذا التعذيب من سبب شرع موسى فكأنه لا ينقص فضيلة التوراة برفع العذاب عن الأرض.
﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) ﴾
المعنى ولم تحضر يا محمد هذه الغيوب التي تخبر بها ولكنها صارت إليك بوحينا أي فكان الواجب أن يسارع إلى الإيمان بك ولكن تطاول الأمر على القرون التي أنشأناها زمناً زمناً فعزبت حلومهم واستحكمت جهالتهم وضلالتهم، و﴿ قضينا ﴾ معناه أبعدنا وصيرنا، و﴿ الأمر ﴾ يعني النبوءة، وقالت فرقة : يعني ما أعلمه به من أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد : وهذا تأويل حسن يلتئم معه ما بعده من قوله :﴿ ولكنا أنشأنا قروناً ﴾، و" الثاوي " المقيم، وقوله ﴿ وما كنت بجانب الطور ﴾ يريد وقت إنزال التوراة إلى موسى.