ولما قالوا ذلك، كان كأنه قيل : فماذا فعل؟ قال :﴿قل﴾ إلزاماً لهم إن كنتم صادقين في أني ساحر وكتابي سحر وكذلك موسى عليه الصلاة والسلام :﴿فأتوا بكتاب﴾ وأشار بالتعبير في وصفه بعند دون لدن إلى أنه يقنع منهم بكونه حكيماً خارقاً للعادة في حكمته وإن لم يبلغ الذروة في الغرابة بأن انفك عن الإعجاز في نظمه كالتوراة فقال :﴿من عند الله﴾ أي الملك الأعلى، ينطق بأنه نم عنده أحواله وحكمته وجلاله ﴿هو﴾ أي الذي أتيتم به ﴿أهدى منهما﴾ أي مما أتيت به ومما أتى به موسى ﴿أتبعه﴾ أي واتركهما.
ولما أمرهم بأمره بالإتيان، ذكر شرطه من باب التنزل، لإظهار النصفة، وهو في الحقيقة تهكم بهم فقال :﴿إن كنتم﴾ أيها الكفار! كوناً راسخاً ﴿صادقين﴾ أي في أنا ساحران، فائتوا ما ألزمتكم به.
ولما كان شرط صدقهم، بين كذبهم على تقدير عدم الجزاء فقال :﴿فإن لم يستجيبوا﴾ أي الكفار الطالبون للأهدى في الإتيان به.
ولما كانت الاستجابة تتعدى بنفسها إلى الدعاء، وباللام إلى الداعي، وكان ذكر الداعي أدل على الاعتناء به والنظر إليه، قال مفرداً لضميره ـ ﷺ ـ لأنه لا يفهم المقايسة في الأهدوية غيره :﴿لك﴾ أي يطلبوا الإجابة ويوجدوها في الإيمان أوالإتيان بما ذكرته لهم ودعوتهم إليه مما هو أهدى، من القرآن والتوراة ليظهر صدقهم ﴿فاعلم﴾ أنت ﴿أنما يتبعون﴾ أي بغاية جهدهم فيما هم عليه من الكفروالتكذيب ﴿أهواءهم﴾ أي دائماً، وأكثر الهوى مخالف للهدى فهم ظالمون غير مهتدين، بل هم أضل الناس، وذلك معنى قوله :﴿ومن أضل﴾ أي منهم، ولكنه قال :﴿ممن اتبع﴾ أي بغاية جهده ﴿هواه﴾ تعليقاً للحكم بالوصف ؛ والتقييد وبقوله :﴿بغير هدى﴾ أي بيان وإرشاد ﴿من الله﴾ أي الملك الأعلى الذي له جميع صفات الكمال دليل على أن الهوى قد يوافق الهدى، والتعبير بالافتعال دليل على أن التابع وإن كان ظالماً قد لا يكون أظلم.