ولما عجب من حال قريش في طلبهم من الآيات مثل ما أوتي موسى عليه الصلاة والسلام ثم كفرهم به وبما هو أعظم منه، وختم بأنه أعلم بأهل الخير وأهل الشر، إشارة إلى الإعراض عن الأسف على أحد، والإقبال على عموم الدعاء للقريب والبعيد على حد سواء، قال دليلاً على ذلك لأنهم إنما يتبعون أهواءهم، عاطفاً على قالوا ﴿لولا أوتي﴾ ﴿وقالوا إن نتبع﴾ أي غاية الاتباع ﴿الهدى﴾ أي الإسلام فنوحد الله من غير إشراك ﴿معك﴾ أي وأنت على ما أنت عليه من مخالفة الناس ﴿نتخطف﴾ أي من أي خاطف أردنا، لأنا نصير قليلاً في كثير.
من غير نصير ﴿من أرضنا﴾ كما تتخطف العصافير لمخالفة كافة العرب لنا، وليس لنا نسبة إلى كثرتهم ولا قوتهم فيسرعو إلينا فيتخطفونا، أي يتقصدون خطفنا واحداً واحداً، فإنه لا طاقة لنا على إدامة الاجتماع وأن لا يشذ بعضنا عن بعض ؛ قال البغوي : والاختطاف : الانتزاع بسرعة.
ولما كان التقدير في الرد على هذا الكلام الواهي : ألم نحمك ومن اتبعك منهم وقد جئتموهم من الخلاف بمثل ما يخالفون هم، به العرب أو أشد، ولا نسبة لكم إلى عددهم ولا جلدهم، عطف عليه قوله :﴿أولم نمكن﴾ أي غاية التمكين ﴿لهم﴾ في أوطانهم ومحل سكناهم بما لنا من القدرة ﴿حرماً آمناً﴾ أي ذا أمن يأمن فيه كل خائف حتى الطير من كواسرها والوحش من جوارحها، حتى أن سيل الحل لا يدخل الحرم، بل إذا وصل إليه عدل عنه ؛ قال ابن هشام في استيلاء كنانة وخزاعة على البيت : وكانت مكة في الجاهلية لا تقر فيها ظلماً ولا بغياً، لا يبغي فيها أحد إلا أخرجته - انتهى.


الصفحة التالية
Icon