احتج الأصحاب بهذه الآية في مسألة الهدى والضلال، فقالوا : قوله ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاء﴾ يقتضي أن تكون الهداية في الموضعين بمعنى واحد لأنه لو كان المراد من الهداية في قوله :﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِى﴾ شيئاً وفي قوله :﴿ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاء﴾ شيئاً آخر لاختل النظم، ثم إما أن يكون المراد من الهداية بيان الدلالة أو الدعوة إلى الجنة أو تعريف طريق الجنة أو خلق المعرفة في القلوب على سبيل الإلجاء أو خلق المعرفة في القلوب لا على سبيل الإلجاء لا جائز أن يكون المراد بيان الأدلة لأنه عليه السلام هدى الكل بهذا المعنى فهي غير الهداية التي نفى الله عمومها، وكذا القول في الهداية بمعنى الدعوة إلى الجنة، وأما الهداية بمعنى تعريف طريق الجنة فهي أيضاً غير مرادة من الآية لأنه تعالى علق هذه الهداية على المشيئة وتعريف طريق الجنة غير معلق على المشيئة لأنه واجب على الله تعالى والواجب لا يكون معلقاً على المشيئة فمن وجب عليه أداء عشرة دنانير، لا يجوز أن يقول إني أعطي عشرة دنانير إن شئت، وأما الهداية بمعنى الإلجاء والقسر فغير جائز لأن ذلك عندهم قبيح من الله تعالى في حق المكلف وفعل القبيح مستلزم للجهل أو الحاجة وهما محالان ومستلزم المحال محال فذلك محال من الله تعالى والمحال لا يجوز تعليقه في المشيئة، ولما بطلت الأقسام لم يبق إلا أن المراد أنه تعالى يخص البعض بخلق الهداية والمعرفة ويمنع البعض منها، ولا يسأل عما يفعل، ومتى أوردت الكلام على هذا الوجه سقط كل ما أورده القاضي عذراً عن ذلك.