أما قوله :﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾ فالمعنى أنه المختص بعلم الغيب فيعلم من يهتدي بعد ومن لا يهتدي، ثم إنه سبحانه بعد أن ذكر شبههم وأجاب عنها بالأجوبة الواضحة، وبين أن وضوح الدلائل لا يكفي ما لم ينضم إليه هداية الله تعالى، حكى عنهم شبهة أخرى متعلقة بأحوال الدنيا وهي قولهم :﴿إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [ القصص : ٥٧ ] قال المبرد : الخطف، الانتزاع بسرعة، روى أن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف قال لرسول الله ﷺ : إنا لنعلم أن الذي تقوله حق، ولكن يمنعنا من ذلك تخطفنا من أرضنا، أي يجتمعون على محاربتنا ويخرجوننا من أرضنا، فأجاب الله سبحانه وتعالى عنها من وجوه الأول : قوله :﴿أَوَ لَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً ءامِناً﴾ أي أعطيناكم مسكناً لا خوف لكم فيه، إما لأن العرب كانوا يحترمون الحرم وما كانوا يتعرضون ألبتة لسكانه، فإنه يروى أن العرب خارج الحرم كانوا مشتغلين بالنهب والغارة، وما كانوا يتعرضون ألبتة لسكان الحر، أو لقوله تعالى :﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] وأما قوله :﴿يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء﴾ فهو تعالى كما بين كون ذلك الموضع خالياً عن المخاوف والآفات بين كثرة النعم فيه، ومعنى :﴿يجبى﴾ يجمع من قولهم : جبيت الماء في الحوض إذا جمعته، قرأ أهل المدينة تجبى بالتاء، وأهل الكوفة، وأبو عمرو بالياء، وذلك أن تأنيث الثمرات تأنيث جمع وليس بتأنيث حقيقي، فيجوز تأنيثه على اللفظ وتذكيره على المعنى، ومعنى الكلية الكثرة كقوله :﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء﴾ [ النمل : ٢٣ ] وحاصل الجواب : أنه تعالى لما جعل الحرم آمناً وأكثر فيه الرزق حال كونهم معرضين عن عبادة الله تعالى مقبلين على عبادة الأوثان، فلو آمنوا لكان بقاء هذه الحالة أولى، قال القاضي : ولو أن الرسول قال لهم إن الذي ذكرتم من التخطف لو كان حقاً


الصفحة التالية
Icon