وأنزل الله تعالى في أبي طالب فقال لرسوله ﷺ ﴿إنك لا تهدي من أحببت﴾ الآية، وفي مسلم عن أبي هريرة أنّ النبيّ ﷺ "أمره بالتوحيد فقال له لولا أن تعيرني قريش تقول إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل الله تعالى الآية" وروي أنّ أبا طالب قال عند موته يا معشر بني هاشم أطيعوا محمداً وصدّقوه تفلحوا وترشدوا فقال النبيّ ﷺ يا عمّ تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك قال فما تريد يا ابن أخي قال أريد منك كلمة واحدة فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا تقول لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله قال يا ابن أخي قد علمت أنك صادق ولكني أكره أن يقال جزع عند الموت ولولا أن يكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة وسبة بعدي لقلتها ولأقررت بها عينك عند الفراق لما أرى من شدّة وجدك ونصيحتك ولكني سوف أموت على ملة الأشياخ عبد المطلب وعبد مناف فإن قيل قال الله تعالى في هذه الآية ﴿أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء﴾ وقال تعالى في آية أخرى :﴿وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ﴾ (الشورى :)
أجيب : بأنه لا تنافي بينهما فإن الذي أثبته وأضافه إليه الدعوة والذي نفى عنه هداية التوفيق وشرح الصدور وهو نور يقذف في القلب فيحيا به القلب كما قال تعالى :﴿أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس﴾ (الأنعام :)
﴿وهو أعلم﴾ أي : عالم ﴿بالمهتدين﴾ أي : الذين قد هيأهم لتطلب الهدى عند خلقه لهم سواء كانوا من أهل الكتاب أم من العرب أقارب كانوا أم أباعد، ثم حكى الله تعالى عن كفار قريش شبهة تتعلق بأحوال الدنيا بقوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon