ينبغي معرضين عما استحقوا به الويل من التمني، تحقيراً لما استفزهم حتى قالوه فقالوا :﴿ثواب الله﴾ أي الجليل العظيم ﴿خير﴾ أي من هذا الحطام، ومن فاته الخير حل به الويل ؛ ثم بينوا مستحقه تعظيماً له وترغيباً للسامع في حاله فقالوا :﴿لمن آمن وعمل﴾ أي تصديقاً لإيمانه ﴿صالحاً﴾ ثم بين سبحانه عظمة هذه النصيحة وعلو قدرها بقوله مؤكداً لأن أهل الدنيا ينكرون كونهم غير صابرين :﴿ولا يلقاها﴾ أي لا يجعل لاقياً لهذا الكلمات أوالنصيحة التي قالها أهل العلم، أي عاملاً بها ﴿إلا الصابرون﴾ أي على قضاء ربهم في السراء والضراء، والحاملون أنفسهم على الطاعات الذين صار الصبر لهم خلقاً، وعبر بالجمع ترغيباً في التعاون إشارة إلى أن الدين لصعوبته لا يستقل به الواحد.
ولما تسبب عن نظره هذا الذي أوصله إلى الكفر بربه أخذه بالعذاب، أشار إلى ذلك سبحانه بقوله :﴿فخسفنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿به وبداره﴾ أي وهي على مقدار ما ذكرنا من عظمته بأمواله وزينته، فهي أمر عظيم، تجمع خلقاً كثيراً وأثاثاً عظيماً، لئلا يقول قائل : إن الخسف به كان للرغبة في أخذ أمواله ﴿الأرض﴾ وهو من قوم موسى عليه الصلاة والسلام وقريب منه جداً - على ما نقله أهل الأخبار - فإياكم يا أمة هذا النبي أن تردوا ما آتاكم من الرحمة برسالته فتهلكوا وإن كنتم أقرب الناس إليه فإن الأنبياء كما أنهم لا يوجدون الهدى في قلوب العدى، فكذلك لا يمنعونهم من الردى ولا يشفعون لهم أبداً، إذا تحققوا أنهم من أهل الشقا ﴿فما﴾ أي فتسبب عن ذلك أنه ما ﴿كان له﴾ أي لقارون، وأكد النفي - لما استقر في الأذهان أن الأكابر منصورون - بزيادة الجار في قوله :﴿من فئة﴾ أي طائفة من الناس يكرون عليه بعد أن هالهم ما دهمه، وأصل الفئة الجماعة من الطير - كأنها سميت بذلك لكثرة رجوعها وسرعته إلى المكان الذي ذهبت منه ﴿ينصرونه ﴾.