قال الفقيه الإمام القاضي : وروي غير هذا مما يقرب منه ذلك كله ضعيف والنظر يشهد بفساد هذا ومن كان الذي يميز بعضها عن بعض وما الداعي إلى هذا وفي الممكن أن ترجع كلها إلى ما يحصى ويقدر وعلى حصره بسهولة وكان يلزم على هذا المعنى أن تكون " مفاتيح " بياء وهي قراءة الأعمش والذي يشبه إنما هو أن تكون " المفاتيح " من الحديد ونحوه وعلى هذا ﴿ تنوء بالعصبة ﴾ إذا كانت كثيرة لكثرة مخازنه وافتراقها من المواضع أو تكون " المفاتيح " الخزائن، قال أبو صالح كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلاً وأما قوله ﴿ تنوء ﴾ فمعناه تنهض بتحامل واشتداد ومن ذلك قول الشاعر :[ الطويل ]
ينؤن ولم يكسبن إلا قنازعاً... من الريش تنواء النعاج الهزائل
ومنه قول الآخر يصف رامياً :[ الرجز ]
حتى إذا ما اعتدلت مفاصله... وناء في شق الشمال كاهله
والوجه أن يقال إن العصبة تنوء بالمفاتح المثقلة لها وكذلك قال كثير من المتأولين المراد هذا لكنه قلب كما تفعل العرب كثيراً، فمن ذلك قول الشاعر :[ الوافر ]
فديت بنفسه نفسي ومالي... وما آلوك إلا ما أطيق
ومن ذلك قول الآخر [ خداش بن زهير ] :[ الطويل ]
وتركب خيل لا هوادة بينها... وتشفي الرماح بالضياطرة الحمر
وهذا البيت لا حجة فيه إذ يتجه على وجهه فتأمله، ومن ذلك قول الآخر :
فما كنت في الحرب العوان مغمزاً... إذا شب حر وقودها أجدالها
وقال سيبويه والخليل التقدير " لتنيء العصبة " فجعل بدل ذلك تعدية الفعل بحرف الجر كما تقول ناء الحمل وأنأته ونؤت به، بمعنى جعلته ينوء والعرب تقول ناء الحمل بالبعير إذا أثقله.