قال الفقيه الإمام القاضي : ويحتمل أن يسند ﴿ تنوء ﴾ إلى المفاتح مجازاً لأنها تنهض بتحامل إذا فعل ذلك الذي ينهض بها وهذا مطرد في قولهم ناء الحمل بالعير ونحوه فتأمله، واختلف الناس في ﴿ العصبة ﴾ كم هي فقال ابن عباس ثلاثة، وقال قتادة من العشرة إلى الأربعين، وقال مجاهد خمسة عشر حملاً، وقيل أحد عشر حملاً على إخوة يوسف وقيل أربعون، وقرأ بديل بن ميسرة " لينوء " بالياء وجهها أبو الفتح على أنه يقرأ " مفاتحه " جمعاً وذكر أبو عمرو الداني إن بديل بن ميسرة قرأ " ما إن مفتاحه " على الإفراد فيستغنى على هذا عن توجيه أبي الفتح، وقوله تعالى :﴿ إذ قال له قومه ﴾، متعلق بقوله ﴿ فبغى ﴾، ونهوه عن الفرح المطغي الذي هو انهماك وانحلال نفس وأشر وإعجاب، و" الفرح " هو الذي تخلق دائماً بالفرح، ولا يجب في هذا الموضع صفة فعل لأنه أمر قد وقع فمحال أن يرجع إلى الإرادة وإنما هو لا يظهر عليهم بركته ولا يبهم رحمته، ثم وصوه أن يطلب بماله رضى الله تعالى وقدم لآخرته، وقوله تعالى :﴿ ولا تنس نصيبك من الدنيا ﴾، اختلف المتأولون فيه فقال ابن عباس والجمهور : معناه لا تضيع عمرك في أن لا تعمل عملاً صالحاً في دنياك إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا فنصيب الإنسان وعمله الصالح فيها فينبغي أن لا يهمله.
قال الفقيه الإمام القاضي : فالكلام كله على هذا التأويل شدة في الموعظة.
وقال الحسن وقتادة : معناه ولا تضيع أيضاً حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك.
قال الفقيه الإمام القاضي : فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة، وقال الحسن : معناه قدم الفضل وأمسك ما يبلغ. وقال مالك : هو الأكل والشرب بلا سرف. وحكى الثعلبي أنه قيل أرادوا بنصيبه الكفن.