وقال مقاتل : إنه عليه السلام خرج من الغار وسار في غير الطريق مخافة الطلب، فلما أمن رجع إلى الطريق ونزل بالجحفة بين مكة والمدينة، وعرف الطريق إلى مكة واشتاق إليها وذكر مولده ومولد أبيه، فنزل جبريل عليه السلام وقال : تشتاق إلى بلدك ومولدك، فقال عليه السلام : نعم، فقال جبريل عليه السلام : فإن الله تعالى يقول :﴿إِنَّ الذى فَرَضَ عَلَيْكَ القرءان لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ﴾ يعني إلى مكة ظاهراً عليهم وهذا أقرب، لأن ظاهر المعاد أنه كان فيه وفارقه وحصل العود، وذلك لا يليق إلا بمكة، وإن كان سائر الوجوه محتملاً لكن ذلك أقرب، قال أهل التحقيق : وهذا أحد ما يدل على نبوته، لأنه أخبر عن الغيب ووقع كما أخبر فيكون معجزاً، ثم قال ﴿قُل رَّبّى أَعْلَمُ مَن جَاء بالهدى وَمَنْ هُوَ فِى ضلال مُّبِينٍ﴾ ووجه تعلقه بما قبله أن الله تعالى وعد رسوله الرد إلى معاد، قال :﴿قُلْ﴾ للمشركين ﴿رَّبّى أَعْلَمُ مَن جَاء بالهدى﴾ يعني نفسه وما يستحقه من الثواب في المعاد والإعزاز بالإعادة إلى مكة ﴿وَمَنْ هُوَ فِى ضلال مُّبِينٍ﴾ يعنيهم وما يستحقون من العقاب في معادهم، ثم قال لرسوله ﴿وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ﴾ ففي كلمة إلا وجهان أحدهما : أنها للاستثناء، ثم قال صاحب "الكشاف" : هذا كلام محمول على المعنى كأنه قيل :( وما ألقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ) ويمكن أيضاً إجراؤه على ظاهره، أي وما كنت ترجو إلا أن يرحمك الله برحمته فينعم عليك بذلك، أي ما كنت ترجو إلا على هذا والوجه الثاني : أن إلا بمعنى لكن للاستدراك، أي ولكن رحمة من ربك ألقى إليك ونظيره قوله :