دينك اختطفتنا فكلنا أكلة رأس، فأنزل اللّه هذه الآية تطمنّهم بالأمن مما يخافون دون غيرهم إكراما لرسولهم محمد وإجابة لدعوة جده إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، كما سيأتي في الآية ١٣٦ من البقرة ج ٣، وقد مر شيء منه في الآية ٣٦ من سورة إبراهيم فراجعها "وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ" يختلسون اختلاسا أنفسهم وأموالهم وأولادهم وأزواجهم وأنعامهم ودوابهم، لأن النفار كان متحكما بينهم، فقل لهم يا سيد الرسل "أَ فَبِالْباطِلِ" من الأصنام وغيرها "يُؤْمِنُونَ" بعد ظهور نعمة الحق الذي لا ريب فيه "وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ" التي أنعمها عليهم في هذا الدين الصحيح والرسول الصادق والكتاب المبين لكل شيء "يَكْفُرُونَ" ٦٧ مع أن ذلك مستوجب
للشكر ما بالهم عموا عن الرشد والهدى، وجنحوا إلى الضلال والردى.
وتقديم الصلة في الموضعين في هذه الآية للاهتمام بها، لأنها مصبّ الأفكار، أو للاختصاص على طريق المبالغة، لأن الإيمان إذا لم يكن خالصا لا يعتد به، ولأن كفران غير نعمة اللّه عز وجل بجنب كفران نعمته لا يعد شيئا.
وقرىء الفعلان بالتاء على الخطاب، كما قرىء بالغيبة.
قال تعالى "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً" فزعم أن له شريكا "أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ" القران المنزل من لدنه "لَمَّا جاءَهُ" على يد رسوله صلّى اللّه عليه وسلم، أي لا أظلم من هذا أحد البتة، ولهذا عقبه بقوله "أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ" ٦٨ أمثال هؤلاء بل فيها منازل كثيرة تنتظرهم وتتميّز عليهم غيظا وحنقا.
تشير هذه الآية إلى تقرير مثواهم وإقامتهم، فيها، لأن الاستفهام فيه معنى النفي وهو داخل على المنفي ونفي النفي إثبات، وعليه قول جرير :
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح