و المعنى ألا يستوجبون هذا الثواء، وقد افتروا ذلك الافتراء على اللّه تعالى، وكذبوا بالحق مثل ذلك التكذيب، بلى واللّه هم أهل له ولا شرّ منه.
قال تعالى "وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا" في شأننا ومن أجلنا وخالصا لوجهنا "لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا" الدالة على الخير والبر الموصلة إلى الرشد والهدى في الدنيا المؤدية إلى الجنة في الآخرة "وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" ٦٩ بالنصر والمعونة والظفر في الدنيا والثواب والمغفرة والرحمة في الآخرة.
وقد ختمت سورة النحل فقط بما ختمت به هذه السورة.
وتشير هذه الآية إلى أن اللّه تعالى يريد أن يأمر رسوله بمجاهدة الكفار الذين لم ينزعوا عن شركهم وتكذيبه وجحد كتابه، لأنه إنما أمره بالهجرة عن دارهم لعدم تأثير العطف عليهم بهم، وان الرحمة التي عاملهم بها واللين والعطف لم يزدهم إلا عتوا وعنادا، ولم يزدهم التهديد والوعيد إلا استهزاء وسخرية ومكابرة في البغي والطغيان والعدوان، ولهذا قدم في هذه الآية الجليلة التمهيدات اللازمة لإنزال العقاب فيهم وتعجيل ما استبطئوه من العذاب الذي يطالبون به، وكانوا يوقنون عدم وجود عقاب أو عذاب كما يتيقنون عدم وجود بعث ولا حساب ولا جزاء، فاستحقوا جزاء معاملتهم بالقسوة والشدة، وآن وقت قسرهم على الإيمان
ليؤمن مؤمنهم ويصر كافرهم فيوقع فيهم عذابه الذي لا مرد له.
قال بعض العارفين إن الآية صالحة للمجاهدة الظاهرة والباطنة، فالذين جاهدوا أنفسهم في رضاء اللّه تعالى لنهدينهم إلى محل الرضاء.