(إنَّما) فى هذا الموضع حرفٌ واحدٌ، وليست على معنى (الذى) ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً﴾ مردودة عَلى (إنّما) كقولك: إنما تفعلونَ كذا، وإنما تفعلون كذا. وقد اجتمعُوا على تخفيف ﴿تَخْلُقُونَ﴾ إلاّ أبا عبدالرحمن السُلَمِىّ فإنه قرأ (وتَخَلّقُون إفْكا) ينصِب التاء ويُشدّد اللام وَهمَا فى المعْنى سَواء.
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِىءُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
وقوله: ﴿النَّشْأَةَ...﴾
القراء مجتمعُونَ عَلى جزم الشين وقَصْرها، إلا الحسن البصرىّ فإنه مدّها فى كل القرآن فقال (النشَاءَة) ومثلها مما تقوله العرب الرأْفة، والرآفة، والكَأْبة والكآبة كلّ صواب.
﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾
وقوله: ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ...﴾
يقول: القائل: وكيف وصفهم أَنهم لا يُعجزون فى الأرض ولا فى السماء، وليسُوا من أهْل السَّماء؟ فالمعنى - والله أعلم - ما أنتم بمعجزينَ فى الأرض ولا مَن فى السَّمَاء بمعجزٍ. وهو من غامِضِ العربيّه للضمير الذى لم يظهر فى الثانى.
ومثله قول حَسَّان:
أمَن يهجو رسولَ الله منكم * ويمدحُهُ وينصرهُ سَوَاءٌ
أراد: ومن ينصره ويمدحه فأضمر (مَنْ) وقد يقع فى وَهْم السَّامِع أن المدح والنصر لَمْن هذه الظاهرة. ومثله فى الكلام: أكرِم مَن أتاكَ وأتى أباكَ، وأكرم مَن أتاك ولم يأت زيداً، تريد: ومَن لم يأتِ زيدا.
﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾


الصفحة التالية
Icon