قال تعالى "وَلَقَدْ فَتَنَّا" اختبرنا وامتحنا "الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" قبل أولئك المسلمين الممتحنين من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم بأنواع البلاء فمنهم من قتل ومنهم من نشر بالمنشار، ومنهم من مشّط بأمشاط الحديد المحماة ومنهم من أحرق بالنار، ومنهم من صبر على أنواع التعذيب، فثبتوا على دينهم ولم ينصرفوا عنه "فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ" بهذا الافتتان، وهو عالم قبل ولكن ليظهر ذلك من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ليطلع عليه خلقه "الَّذِينَ صَدَقُوا" بإيمانهم وحافظوا عليه ولم يثنهم عنه ما أصابهم من البلاء رغبة به وطلبا لما عند اللّه من الثواب "وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ" ٣ في إيمانهم الذين ذمهم اللّه تعالى بقوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ) الآية ١٢ من سورة الحج في ج ٣، أي ليميز الصادق من الكاذب فيما بين الناس، أما هو جلّ علمه فهما معلومان عنده من يوم قالوا بلى كعلمه بجميع مكوناته، وان ما يطهره من أقوالهم ليعلم به الناس، وانه سيكافىء الصادق على صدقه، ويجازي الكاذب على كذبه.
قال تعالى "أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا" يفوتوننا،
كلا لا يقدرون على الهرب منا، ولا يفلتون من قبضتنا، أو يظنون أنا لا نعاقبهم، بلى سننتقم منهم لا محالة، وإذا كان هذا ظنهم فقد "ساءَ ما يَحْكُمُونَ" ٤ به فقد خاب ظنهم وبئس ما حكموا به.
واعلموا أيها الناس أن "مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ" في الآخرة فعليه أن يحسن إيمانه ويشفعه بالعمل الصالح، ويعتقد بالبعث بعد الموت "فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ" المضروب للقائه الذي فيه عقاب الكافر وإثابة المؤمن "لَآتٍ" لا محاله، فليستعد له ويستمر على صالح العمل كي يصدق رجاؤه ويحقق أمله.


الصفحة التالية
Icon