قال تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ" إيمانا مطلقا "فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ" لأجله أو من أجله "جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ" به من أذية أو إهانة "كَعَذابِ اللَّهِ" أي نزل ما يصيبه منهم منزلة عذاب اللّه في الآخرة وجزع كما يجزع من عذابه لو حل به، مع أنه لا يعد كل عذاب الدنيا شيئا بالنسبة لجزء من عذاب الآخرة، فلم يصبروا على ما وقع عليهم من عذاب الدنيا، ورجعوا عن دينهم وكفروا بربهم، مع أنه يجب عليهم أن يصبروا عليه مهما كان شديدا، لأنه فان رغبة بما عند اللّه للصابرين من نعيمه الدائم.
وهذه سمة المنافق فإنه إذا أوذي في اللّه رجع عن دينه، كالذي يعبد اللّه على حرف، راجع الآية ١٢ من سورة الحج المشار إليها آنفا، أما المؤمن فإنه يصبر على ما أصابه
طلبا لما عند اللّه من الثواب "وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ" وغنيمة للمؤمنين من أعدائهم "لَيَقُولُنَّ" لهم أولئك المنافقون "إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ" على عدوكم وكنا مسلمين مثلكم، وإنما أكرهنا على ما وقع منا، فأكذبهم اللّه بقوله "أَ وَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ" ١٠ من الإيمان الصادق والنفاق المحض وغيره،
بلى هو أعلم منهم بأنفسهم، وهذا استفهام تقريري بمعنى القسم، أي بلى واللّه هو عالم بذلك، ولهذا أردفه بالقسم.
فقال "وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا" وثبتوا على إيمانهم حالة البلاء "وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ" ١١ الذين تخلوا عنه عند الشدة، أي واللّه إنه عالم بالفريقين حق العلم لأن اللام في الفعلين موطئة للقسم.
نزلت هاتان الآيتان في أناس كانوا مؤمنين بألسنتهم فإذا أصابهم أذى من الكفار واتقوهم على ما يريدونه، فنضحهم اللّه تعالى، وهذه آخر الآيات المدنيات.


الصفحة التالية
Icon