فلما عرفت الملائكة ذلك منه لما غشى وجهه من الحزن والكآبة عرفوه بأنفسهم كما مر في الآية ٨٠ من سورة هود المارة "وَقالُوا لا تَخَفْ" علينا منهم "وَلا تَحْزَنْ" على ما نفعله بهم "إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ" ٣٣ لأنها منهم وراضية بفعلهم، فانزاح عن وجهه الاكفهرار وقال ماذا تفعلون بهؤلاء الفسقة العتاة ؟ قالوا "إِنَّا مُنْزِلُونَ" بامر ربنا "عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً" عذابا عظيما لم يحلموا به "مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ" ٣٤ ويتجاوزون حدود اللّه ويخرجون عن طاعة رسوله ويتعدون ما أحل إليهم لما حرم عليهم، فخسف اللّه بهم وبقراهم ورجموا بالحجارة، كما سبق بيانه في القصة.
واعلم ان الضمائر في هذه الآيات وإن كانت مضافة للملائكة فهي في الحقيقة إلى اللّه لأنهم جاءوا بأمره، وفعلوا بأمره، وهو الفاعل الحقيقي كل شيء قال تعالى "وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها" في قراهم بعد تدميرها "آيَةً بَيِّنَةً" يراها من يمر بها لتكون عظة "لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" ٣٥ إن خرابها كان بسبب فسق أهلها، وذلك بعد أن أمروا لوطا وأهله بالهجرة عنها.
مطلب تحريم اللواطة وجزاء فاهلها ومخازي قوم لوط والهجرة الشريفة لسيدنا محمد صلّى اللّه عليه وسلم.