وانظر إلى ما علل به هذه العبادة بقوله الجليل "إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ" راجع الآية ٣٢ من الأعراف في ج ١ تجد معنى الفواحش كلها وما يتعلق بها أما المنكر فهو ما لا يعرف في الشرع وينكره العقل، وإنما كانت الصلاة الحقيقية ناهية عن ذلك لتضمنها صنوف العبادة من التكبير والتسبيح والتهليل والقراءة والوقوف بين يدي الإله العظيم والركوع لهيبته والسجود لجلاله والخشوع لمجده والخضوع لكبريائه، فمن كان مراعيا لها محافظا على شروطها وأركانها
جرته إلى طرق الخير ونهته عن كل فاحشة ومنكر، وصارت كأنها تنادي فاعلها : لا تعص ربا هو أهل لما أتيت به، وهو المستحق لأن يعبد ويشكر.
روي عن أنس قال : كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ثم لم يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه،
فذكر ذلك لرسول اللّه، فقال إن صلاته ستنهاه يوما، فلم يلبث أن تاب وحسنت توبته واستقام حاله.
وقال ابن مسعود وابن عباس رضي اللّه عنهما : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي اللّه، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم تزده صلاته من اللّه إلا بعدا.
وقال الحسن وقتادة : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه.
وروي عن جابر : قال رجل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إن رجلا يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق، قال ستنهاه قراءته، وفي رواية :
انه قيل يا رسول اللّه إن فلانا يصلي بالنهار ويسرق بالليل، فقال إن صلاته لتردعه على كل حال.
وعليه فإن المراعي للصلاة لا بد وأن يكون أبعد عن الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها.


الصفحة التالية
Icon