هذا غاية ما أحتج به، وخلاصة القول أن كتابته صلّى اللّه عليه وسلم وقراءته على فرض صحتها فهي من معجزاته كما علمته مما ذكرناه قبلا، لا عن تعليم من أحد ولما لم يصح عنه أنه كتب كتابا ما في جملته مكاتباته الملوك وغيرهم ومعاهداته معهم، ولم يثبت شيء من ذلك البتة، فما وقع منه عند كتابته صحيفة صلح الحديبية يكون أيضا من قبيل المعجزة ليس إلا، فإن الحديث الوارد من أنه صلّى اللّه عليه وسلم لم يمت حتى تعلم الكتابة ضعيف، بل لا أصل له، وما زعمه القاضي وأبو الوليد الباجي ومن تابعهما من أنه تعلم الكتابة أو كان يعلم الكتابة أخذا مما رواه البخاري في حادثة الحديبة هو زعم فاسد، وكذلك من قوله صلّى اللّه عليه وسلم (رأيت مكتوبا على باب الجنة) إلخ، لأن ذلك كله من باب المعجزة له صلّى اللّه عليه وسلم كما سبق لك تفصيله، وكذلك يؤوّل قوله صلّى اللّه عليه وسلم إخبارا عن الدجال بأنه مكتوب بين عينيه كافر، تأمل، ثم تدبر، وإياك أن يلحقك شك أو يخامرك ريب أو تطرأ عليك مرية.
قال تعالى "بَلْ هُوَ"
القرآن لا يرتاب فيه لوضوح أمره ولأنه "آياتٌ بَيِّناتٌ" لا تحتاج للروية ثابتات "فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" من غير أن يلتقط من كتاب يحفظونه، وبسبب رسوخه في الصدور لا يقدر أحد على تحريف أو تغيير أو تبديل شيء منه البتة، لأن اللّه تعالى تعهد بحفظه من ذاك، راجع الآية ٤٢ من سورة السجدة والآية ٩ من سورة الحجر المارتين، وقد جاء في وصف هذه الأمة المحمدية :
صدورهم أناجيلهم.
والمراد بالذين أوتوا العلم، علماء أصحابه كما رواه الحسن، وروى بعض الإمامية عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه أنهم الأئمة من آل محمد صلّى اللّه عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon