ولما حث على العمل، بين أنه ليس إلا لنفع العامل، لئلا يخطر في خاطر ما يوجب تعب الدنيا وشقاء الآخرة من اعتقاد ما لا يليق بجلاله تعالى، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمن أراح نفسه في الدنيا فإنما ضر نفسه :﴿ومن جاهد﴾ أي بذل جهده حتى كأنه يسابق آخر في الأعمال الصالحة ﴿فإنما يجاهد لنفسه﴾ لأن نفع ذلك له فيتعبها ليريحها، ويشقيها ليسعدها، ويميتها ليحييها، وعبر بالنفس لأنها الأمارة بالسوء، وإنما طوى ما أدعى تقديره لأن السياق للمجاهدة، ثم علل هذا الحصر بقوله :﴿إن الله﴾ أي المتعالي عن كل شائبة نقص ﴿لغني﴾ وأكد لأن كثرة الأوامر ربما أوجبت للجاهل ظن الحاجة، وذلك نكتة الإتيان بالاسم الأعظم، وبين أن غناه الغنى المطلق بقوله موضع " عنه " ﴿عن العالمين﴾ فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية.
ولما كان التقدير : فالذين كفروا وعملوا السيئات لنجزينهم أجمعين، ولكنه طواه لأن السياق لأهل الرجاء، عطف عليه قوله :﴿والذين آمنوا وعملوا﴾ تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾ في الشدة والرخاء على حسب طاقتهم، واشار بقوله :﴿لنكفرن عنهم سيئاتهم﴾ إلى أن الإنسان وإن اجتهد لا بد أن يزل لأنه مجبول على النقص، فالصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما لم يؤت الكبائر، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان ونحو ذلك مما وردت به الأخبار عن النبي المختار ـ ﷺ ـ.
وزاده فضلاً وشرفاً لديه ؛ قال البغوي : والتكفير إذهاب السيئة بالحسنة، أو لنغفرن لهم الشرك وما عملوا فيه، وأكد لأن الإنسان مجبول على الانتقام ممن أساء ولو بكلمة ولو بالامتنان بذكر العفو فلا يكاد يحقق غير ما طبع عليه.
ولما بشرهم بالعفو عن العقاب، أتم البشرى بالامتنان بالثواب، فقال عاطفاً على ما تقديره : ولنثبتن لهم حسناتهم ﴿ولنجزينهم﴾ أي في الإسلام ﴿أحسن الذي كانوا﴾ أي كوناً يحملهم على أتم رغبة ﴿يعملون﴾ أي أحسن جزاء ما عملوه في الإسلام وما قبله وفي طبعهم أن يعملوه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٥٣٧ ـ ٥٣٨﴾