فصل


قال الفخر :
الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) }
المسألة الأولى :
في تعلق أول هذه السورة بما قبلها وفيه وجوه الأول : لما قال الله تعالى قبل هذه السورة :﴿إِنَّ الذى فَرَضَ عَلَيْكَ القرءان لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ﴾ [ القصص : ٨٥ ] وكان المراد منه أن يرده إلى مكة ظاهراً غالباً على الكفار ظافراً طالباً للثأر، وكان فيه احتمال مشاق القتال صعب على البعض ذلك فقال الله تعالى :﴿آلم أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا﴾ ولا يؤمروا بالجهاد الوجه الثاني : هو أنه تعالى لما قال في أواخر السورة المتقدمة ﴿وادع إلى رَبّكَ﴾ [ القصص : ٨٧ ] وكان في الدعاء إليه الطعان والحراب والضراب، لأن النبي عليه السلام وأصحابه كانوا مأمورين بالجهاد إن لم يؤمن الكفار بمجرد الدعاء فشق على البعض ذلك فقال :﴿أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ﴾ الوجه الثالث : هو أنه تعالى لما قال في آخر السورة المتقدمة ﴿كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَه﴾ ذكر بعده ما يبطل قول المنكرين للحشر فقال :﴿لَهُ الحكم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [ القصص : ٨٨ ] يعني ليس كل شيء هالكاً من غير رجوع بل كل هالك وله رجوع إلى الله.
إذا تبين هذا، فاعلم أن منكري الحشر يقولون لا فائدة في التكاليف فإنها مشاق في الحال ولا فائدة لها في المآل إذ لا مآل ولا مرجع بعد الهلاك والزوال، فلا فائدة فيها.
فلما بين الله أنهم إليه يرجعون بين أن الأمر ليس على ما حسبوه، بل حسن التكليف ليثيب الشكور ويعذب الكفور فقال :﴿أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ﴾ غير مكلفين من غير عمل يرجعون به إلى ربهم.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon