ولما كان التقدير : فقلنا له : افعل بهما ﴿حسناً﴾ أي فعلاً ذا حسن من برهما وعطف عليهما، عطف عليه قوله :﴿وإن جاهداك﴾ أي فعلاً معك فعل المجاهد مع من يجاهده فاستفرغا مجهودهما في معالجتك ﴿لتشرك﴾ وترك مظهر العظمة للنص على المقصود فقال :﴿بي﴾ ونبهه على طلب البرهان في الأصول إشارة إلى خطر المقام لعظم المرام، فقال استعمالاً للعدل، مشيراً بنفي العلم إلى انتفاء العلوم :﴿ما ليس لك به علم﴾ أصلاً بأنه يستحق الشركة فإن من عبد ما لم يعلم استحقاقه للعبادة فهو كافر ﴿فلا تطعهما﴾ فإنه لا طاعة لمخلوق - وإن عظم - في معصية الخالق، وهذا موجب لئلا يقع من أحد شرك أصلاً، فإنه لا ريب أصلاً في أنه لا شبهة تقوم على أن غيره تعالى يستحق الإلهية، فكيف بدليل يوجب علماً، والمقصود من سياق الكلام إظهار النصفة والتنبيه على النصيحة، ليكون أدعى إلى القبول ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إليّ مرجعكم﴾ أي جميعاً : من آمن ومن أشرك بالحشر يوم القيامة ؛ ثم سبب عنه قوله :﴿فأنبئكم﴾ أي أخبركم إخباراً عظيماً مستقصى بليغاً ﴿بما كنتم﴾ أي برغبتكم ﴿تعملون﴾ أي فقفوا عند حدودي، واتركوا ما تزينه لكم شهواتكم، واحذروا مجازاتي على قليل ذلك وكثيره، عبر سبحانه بالسبب الذي هو الإنباء لأنه لا مثنوية فيه عن المسبب الذي هو الجزاء، مطلقاً للعبارة، وتهديداً بليغاً على وجه الإشارة، وطوى ذكره لأنه قد يدخله العفو، وهذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص ـ رضى الله عنه ـ، أسلم وكان باراً بأمه، فحلفت : لا تأكل ولا تشرب حتى يرجع عن دينه أو تموت فيعير بها ويقال قاتل أمه، فمكثت يومين بلياليهما فقال : ياأماه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني فكلي، وإن شئت فلا تأكلي! فلما أيست منه أكلت وشربت - وأصل القصة في الترمذي.


الصفحة التالية
Icon