ما حكى عن شعيب أمر ونهي والأمر لا يصدق ولا يكذب، فإن من قال لغيره قم لا يصح أن يقول له كذبت، فنقول كان شعيب يقول الله واحد فاعبدوه، والحشر كائن فارجوه، والفساد محرم فلا تقربوه، وهذه الأشياء فيها إخبارات فكذبوه فيما أخبرهم به.
المسألة الثانية :
قال ههنا وفي الأعراف ( ٧٨ ) :﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ وقال في هود :( ٩٤ ) :﴿وأخذت الذين ظلموا الصيحة ﴾
والحكاية واحدة، نقول لا تعارض بينهما فإن الصيحة كانت سبباً للرجفة، إما لرجفة الأرض إذ قيل إن جبريل صاح فتزلزلت الأرض من صيحته، وإما لرجفة الأفئدة فإن قلوبهم ارتجفت منها، والإضافة إلى السبب لا تنافي الإضافة إلى سبب السبب، إذ يصح أن يقال روى فقوي، وأن يقال شرب فقوي في صورة واحدة.
المسألة الثالثة :
حيث قال :﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة﴾ قال :﴿فِى دِيَارِهِمْ﴾ وحيث قال :﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ قال :﴿فِي دَارِهِمْ﴾ فنقول المراد من الدار هو الديار، والإضافة إلى الجمع يجوز أن تكون بلفظ الجمع، وأن تكون بلفظ الواحد إذا أمن الالتباس، وإنما اختلف اللفظ للطيفة، وهي أن الرجفة هائلة في نفسها فلم يحتج إلى مهول، وأما الصيحة فغير هائلة في نفسها لكن تلك الصيحة لما كانت عظيمة حتى أحدثت الزلزلة في الأرض ذكر الديار بلفظ الجمع، حتى تعلم هيبتها والرجفة بمعنى الزلزلة عظيمة عند كل أحد فلم يحتج إلى معظم لأمرها، وقيل إن الصيحة كانت أعم حيث عمت الأرض والجو، والزلزلة لم تكن إلا في الأرض فذكر الديار هناك غير أن هذا ضعيف لأن الدار والديار موضع الجثوم لا موضع الصيحة والرجفة، فهم ما أصبحوا جاثمين إلا في ديارهم.