وكأنه اعتبر رجوع ضمير ﴿ كانوا ﴾ [ العنكبوت : ٣٩ ] إلى المهلكين، وقد علمت حاله وتقديم المفعول للاهتمام بأمر الاستيعاب والاستغراق، وقال الفاضل : المذكور للحصر أي كل واحد من المذكورين عاقبناه بجنايته لا بعضاً دون بعض، وبحث فيه بأن كلاً متكفلة بهذا المعنى قدمت أو أخرت، وأجيب بأنا لا نسلم أنه يفهم منها لا بعضاً إذا أخرت وإنما يفهم منها بواسطة التقديم فتأمل، والكلام في مرجع ضمير بذنبه سؤالاً وجواباً لا يخفى على من أحاط علماً بما قيل في قولهم : كل رجل وضيعته.
وقولهم : الترتيب جعل كل شيء في مرتبته، وهو شهير بين الطلبة ﴿ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً ﴾ أي ريحاً عاصفاً فيها حصباء، وقيل : ملكاً رماهم بالحصباء وهم قوم لوط.
وقال ابن عطية : يشبه أن يدخل عاد في ذلك لأن ما أهلكوا به من الريح كانت شديدة وهي لا تخلو عن الحصب بأمور مؤذية، والحاصب هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمى بشيء ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة ﴾ هم مدين وثمود ولم يقل أخذناه بالصيحة ليوافق ما قبله وما بعده في إسناد الفعل إليه تعالى الأوفق بقوله تعالى :﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ﴾ دفعاً لتوهم أن يكون سبحانه هو الصائح ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض ﴾ وهو قارون ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا ﴾ وهو فرعون ومن معه، وذكر بعضهم قوم نوح عليه السلام أيضاً.