ولما تسبب عن هذا التزيين منعهم لعماهم عن الصراط المستقيم قال :﴿فصدهم عن السبيل﴾ أي منعهم عن سلوك الطريق الذي لا طريق إلا هو، لكونه يوصل إلى النجاة، وغيره يوصل إلى الهلاك، فهو عدم بل العدم خير منه.
ولما كان ذلك ربما ظن أنه لفرط غباوتهم قال :﴿وكانوا﴾ أي فعل بهم الشيطان ما فعل من الإغواء والحال أنهم كانوا كوناً هم فيه في غاية التمكن ﴿مستبصرين﴾ أي معدودين بين الناس من البصراء العقلاء جداً لما فاقوهم به مما يعلمون من ظاهر الحياة الدنيا، ولم يسبقونا، بل أوقعناهم بعملهم السيئات فيما أردنا من أنواع الهلكات، فاحذروا مثل مصارعهم فإنكم لا تشابهونهم في القوة، ولا تقاربونهم في العقول.
ولما كان لفرعون ومن ذكر معه من العتو بمكان لا يخفى، لما أتوا من القوة بالأموال والرجال قال :﴿وقارون﴾ أي أهلكناه وقومه لأن وقوعه في أسباب الهلاك أعجب، لكونه من بني إسرائيل، ولأنه ابتلى بالمال والعلم، فكان ذلك سبب إعجابه، فتكبر على موسى وهاورن عليهما السلام فكان ذلك سبب هلاكه ﴿وفرعون وهامان﴾ وزيره الذي أوقد له على الطين، فلا هو نجا ولا كان رأساً في الكفر، بل باع سعادته بكونه ذنباً لغيره.
ولما كان هلاكهم مع رؤية الآيات أعجب، فكان جديراً بالإنكار، إشارة إلى أن رؤية الآيات جديرة بأن يلزم عنها الإيمان قال :﴿ولقد جاءهم موسى بالبينات﴾ أي التي لم تدع لبساً فتسببوا عما يقتضيه من الاستبصار الاستكبار ﴿فاستكبروا﴾ أي طلبوا أن يكونوا أكبر من كل كبير بأن كانت أفعالهم أفعال من يطلب ذلك ﴿في الأرض﴾ بعد مجيء موسى عليه الصلاة والسلام إليهم أكثر مما كانوا قبله.


الصفحة التالية
Icon