ولما كان كل من جادل منهم في القرآن ظالماً، كان من الواضح أن المراد بمن استثنى في قوله تعالى :﴿إلا الذين ظلموا منهم﴾ أي تجاوزوا في الظلم بنفي صحة القرآن وإنكار إعجازه مثلاً وأن يكون على أساليب الكتب المتقدمة، أو مصدقاً لشيء منها، أو بقولهم ﴿ما أنزل الله على بشر من شيء﴾ [ الأنعام : ٩١ ] ونحو هذا من افترائهم، فإن هؤلاء يباح جدالهم ولو أدى إلى جلادهم بالسيف، فإن الدين يعلو ولا يعلى عليه.
ولما نهى عن موجب الخلاف، أمر بالاستعطاف، فقال :﴿وقولوا آمنا﴾ أي أوقعنا الإيمان ﴿بالذي أنزل إلينا﴾ أي من هذا الكتاب المعجز ﴿وأنزل إليكم﴾ من كتبكم، يعني في أن أصله حق وإن كان قد نسخ منه ما نسخ، وما حدثوكم به من شيء ليس عندكم ما يصدقه ولا ما يكذبه فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإن هذا أدعى إلى الإنصاف، وأنفى للخلاف.
ولما لم يكن هذا جامعاً للفريقين، أتبعه بما يجمعهما فقال :﴿وإلهنا وإلهكم﴾ ولما كان من المعلوم قطعاً أن المراد به الله، لأن المسلمين لا يعبدون غيره، وكان جميع الفرق مقرين بالإلهية ولو بنوع إقرار لم تدع حاجة إلى أن يقول ﴿إله﴾ كما في بقية الآيات فقال :﴿واحد﴾ إلى لا إله لنا غيره وإن ادعى بعضكم عزيراً والمسيح ﴿ونحن له﴾ خاصة ﴿مسلمون﴾ أي خاضعون منقادون أتم انقياد فيما يأمرنا به بعد الأصول من الفروع سواء كانت موافقة لفروعكم كالتوجه بالصلاة إلى بيت المقدس، أو ناسخة كالتوجه إلى الكعبة، ولا نتخذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله لنأخذ ما يشرعونه لنا مخالفاً لكتابه وسنة نبيه ـ ﷺ ـ، فنكون حينئذ قد خضعنا لهم وتكبرنا عليه فأوقعنا الإسلام في غير موضعه ظلماً.


الصفحة التالية
Icon