ولما كان التقدير تعليلاً للأمر بهذا القول : إنا أنزلنا كتبهم إلى رسلهم، عطف عليه قوله مخاطباً للرأس تخصيصاً له لئلا يتطرق لمتعنت طعن عموم أو اتهام في المنزل عليه :﴿وكذلك﴾ أي ومثل ذلك الإنزال الذي أنزلناه إلى أنبيائهم ﴿أنزلنا إليك الكتاب﴾ أي هذا القرآن الذي هو الكتاب في الحقيقة، لا كتاب غيره في علو كماله، في نظمه ومقاله، مصدقاً لما بين يديه :﴿فالذين﴾ أي فتسبب عن إنزالنا له على هذا المنهاج أن الذين ﴿آتيناهم﴾ أي إيتاءاً يليق بعظمتنا، فصاروا يعرفون الحق من الباطل ﴿الكتاب﴾ أي من قبل ﴿يؤمنون به﴾ أي بهذا الكتاب حقيقة كعبد الله بن سلام ومخيريق ـ رضى الله عنهما ـ، أو مجازاً بالمعرفة به مع الكفر كحيي بن أخطب وخلق كثير منهم ﴿ومن هؤلاء﴾ أي العرب ﴿من يؤمن به﴾ أس كذلك في الحقيقة والمجاز في المعرفة بالباطن بأنه حق لما أقامه من البرهان على ذلك بعجزهم عن معارضته مع الكفر به، وأدل دليل على ما أردته من الحقيقة والمجاز قوله :﴿وما يجحد﴾ أي ينكر من الفريقين بعد المعرفة، قال البغوي : قال قتادة : الجحود إنما يكون بعد المعرفة.
﴿بآياتنا﴾ التي حازت أقصى غايات العظمة حتى استحقت الإضافة إلينا ﴿إلا الكافرون﴾ أي العريقون في ستر المعارف بعد ظهورها طمعاً في إطفاء نورها.
ولما أشار إلى أن المنكر لأصل الوحي متوغل في الكفر، دل على ذلك بحال المنزل إليه ـ ﷺ ـ فقال مسلياً له :﴿وما﴾ أي أنزلناه إليك والحال أنك ما ﴿كنت تتلوا﴾ أي تقرأ مواصلاً مواظباً في وقت ما.