ثم إنه تعالى قال :﴿إِنَّ فِى ذلك لَرَحْمَةً﴾ إشارة إلى أنا جعلناه معجزة رحمة على العباد ليعلموا بها الصادق، وهذا لأنا بينا أن إظهار المعجزة على يد الصادق رحمة من الله، وكان له أن لا يظهر فيبقى الخلق في ورطة تكذيب الصادق أو تصديق الكاذب، لأن النبي لا يتميز عن المتنبي لولا المعجزة، لكن الله له ذلك يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وقوله :﴿وذكرى﴾ إشارة إلى أنه معجزة باقية يتذكر بها كل من يكون ما بقي الزمان.
ثم قال تعالى :﴿لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يعني هذه الرحمة مختصة بالمؤمنين لأن المعجزة كانت غضباً على الكافرين لأنها قطعت أعذارهم وعطلت إنكارهم.
ثم قال تعالى :﴿قُلْ كفى بالله بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً﴾ لما ظهرت رسالته وبهرت دلالته ولم يؤمن به المعاندون من أهل الكتاب قال كما يقول الصادق إذا كذب وأتى بكل ما يدل على صدقه ولم يصدق الله يعلم صدقي وتكذيبك أيها المعاند وهو على ما أقول شهيد يحكم بيني وبينكم، كل ذلك إنذار وتهديد يفيده تقريراً وتأكيداً، ثم بين كونه كافياً بكونه عالماً بجميع الأشياء.
فقال :﴿يَعْلَمُ مَا فِي السموات والأرض﴾ وههنا مسألة : وهي أن الله تعالى قال في آخر الرعد
﴿وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب﴾ [ الرعد : ٤٣ ] فأخر شهادة أهل الكتاب، وفي هذه السورة قدمها حيث قال :﴿فالذين ءاتيناهم الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [ العنكبوت : ٤٧ ] ومن هؤلاء من يؤمن به أي من أهل الكتاب فنقول الكلام هناك مع المشركين، فاستدل عليهم بشهادة غيرهم ثم إن شهادة الله أقوى في إلزامهم من شهادة غير الله، وههنا الكلام مع أهل الكتاب، وشهادة المرء على نفسه هو إقراره وهو أقوى الحجج عليه فقدم ما هو ألزم عليهم.