إشارةُ تحقيرٍ وازدراءٍ للدُّنيا وكيفَ لا وقد قال رسولُ الله ﷺ :" لو كانتِ الدُّنيا تزنُ عندَ الله جناحَ بَعُوضةٍ ما سَقَى الكافرَ منها شَرْبةَ ماءٍ " ﴿ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ ﴾ أي إلا كما يُلهى ويلعبُ به الصبيانُ يجتمعون عليهِ ويبتهجون به ساعةً ثم يتفرَّقُون عنه ﴿ وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِىَ الحيوان ﴾ أي لهيَ دارُ الحياةِ الحقيقية لامتناعِ طريانِ الموتِ والفناءِ عليها أو هي في ذاتِها حياةٌ للمبالغةِ. والحيوانُ مصدرُ حَيِيَ سُمِّيَ بهِ ذُو الحياة وأصلُه حَيَيانُ فقُلبتْ الياءُ الثَّانيةُ واواً لما في بناءِ فَعَلان من مَعْنى الحَرَكةِ والاضطرابِ اللازم للحَيَوان ولذلك اختِير على الحياةِ في هذا المقامِ المُقتضي للمبالغةِ ﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ أي لما آثرُوا عليها الحياةَ الدُّنيا التي أصلُها عدمُ الحياةِ ثمَّ ما يحدثُ فيها من الحَيَاةِ عارضةٌ سريعةُ الزَّوالِ وشيكةُ الاضمحلالِ ﴿ فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الفلك ﴾ متَّصلٌ بما دلَّ عليه شرحُ حالِهم، والرُّكوب هو الاستعلاءُ على الشيءِ المتحرِّكِ وهو متعدَ بنفسِه كما في قولِه تعالى :﴿ والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا ﴾ واستعمالُه هاهنا وفي أمثالِه بكلمة في للإيذانِ بأنَّ المركوبَ في نفسِه من قبيلِ الأمكنةِ، وحركتُه قسريةٌ غيرُ إراديةٍ كما مرَّ في سورةِ هُودٍ والمعنى أنَّهم على ما وُصفوا من الإشراكِ فإذا ركبُوا في البحرِ ولقُوا شدَّةً ﴿ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ أي كائنينَ على صورةِ المُخلصين لدينِهم من المؤمنينَ حيثُ لا يدعُون غيرَ الله تعالى لعلمِهم بأنَّه لا يكشفُ الشَّدائدَ عنهم إلا هُو ﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ أي فاجؤا المعاودةَ إلى الشِّركِ ﴿ لِيَكْفُرُواْ بِمَا ءاتيناهم وَلِيَتَمَتَّعُواْ ﴾ أي يفاجئونَ الإشراكَ ليكونُوا كافرينَ بما آتيناهُم من نعمةِ